" أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً. وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً " (النبأ:6-7).
هاتان الآيتان الكريمتان جاءتا في مقدمات سورة النبأ, وهي سورة مكية, شأنها شأن كافة السور المكية يدور محورها حول قضية العقيدة, تلك القضية الغيبية التي لا يمكن للإنسان أن يصل فيها إلي تصور صحيح أبدا بغير هداية ربانية, ومن هنا كانت من قواعد الدين الذي من لوازم صحته أن يكون وحيا ربانيا خالصا لا يداخله أدني قدر من الصياغة أو التصورات البشرية.
ومن أصول العقيدة الإسلامية الإيمان بالبعث وبالحساب والجزاء, وبالخلود في حياة قادمة إما في الجنة أبدا, أو في النار أبدا, والإيمان بالبعث هو موضوع سورة النبأ ومحورها الأساسي, وذلك لأن إنكار البعث كان حجة كفار قريش, كما كان حجة الكفار والمتشككين عبر التاريخ في نبذهم للدين, كفرا برب العالمين, وجهلا بطلاقة
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ
" إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ" (الأعراف:54).
جاءت الإشارة إلى خلق السماوات والأرض في ستة أيام في ثماني آيات قرآنية كريمة يقول فيها ربناآ آ آ (تبارك وتعالى) :
(1) " إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الخَلْقُ
أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ
" أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ " (ق:6).
ردا على منكري البعث يعرض القرآن الكريم في مطلع سورة ق لعدد من الأدلة المنطقية المثبتة لكمال القدرة الإلهية المبدعة ، والشاهدة على إحاطة علم الله تعالى بكل صغيرة وكبيرة في الكون ، والناطقة بعظيم حكمته في خلقه وفيما أنزل من علم ، والمؤكدة أن الله تعالى الذي خلق هذا الكون بكل ما فيه ومن فيه ـ على غير مثال سابق ـ هو القادر على إفنائه وعلى إعادة خلقه من جديد ، وذلك لأن قضية
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ
" إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ " (ص:71).
هذه الحقيقة القرآنية جاءت في الخمس الأخير من سورة ص , وهي سورة مكية وعدد آياتها (88) بعد البسملة , ويدور محورها الرئيسي حول ركائز العقيدة الإسلامية , وفي مقدمتها توحيد الله الخالق (سبحانه وتعالى) , وتنزيهه عن جميع صفات خلقه , وعن كل وصف لا يليق بجلاله .
وتبدأ هذه السورة الكريمة بالحرف الهجائي المفرد (ص) والذي سميت باسمه السورة, وهذه المقطعات من الحروف الهجائية التي استفتحت بها تسع