Your browser doesn't support JavaScript or you have disabled JavaScript. Therefore, here's alternative content...

اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا

الإعجاز العلمي
أدوات القراءة
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • Default Helvetica Segoe Georgia Times

" اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ "(الروم:‏48).

هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أول الخمس الأخير من سورة الروم وهيآ سورة مكية‏ ,‏ وآياتها ستون‏ ,‏ وقد سميت بهذا الاسم للإشارة في مطلعها إلى هزيمة الروم‏ (الدولة البيزنطية‏)‏ على أيدي جيوش الفرس‏ (في حدود سنة‏614‏م-‏615‏م‏) ,‏ والبشارة بنصرهم المستقبلي في بضع سنين من تاريخ نزول هذه السورة المباركة‏ (وقد تحقق ذلك في حدود سنة‏624‏ م أي في العام الهجري الثاني حين تحقق نصر الله للمسلمين في يوم بدر‏) .‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة‏ ,‏ وركائزها الأساسية ومنها الإيمان بوحدانية الخالق‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ بغير شريك ولا شبيه ولا منازع‏ ,‏ وبوحدة الرسالة السماوية التي تكاملت في بعثة النبي والرسول الخاتم‏ (صلى الله عليه وسلم‏) ,‏ وبوحدة الخلق‏ ,‏ وبالآخرة وأهوالها‏ ,‏ وحتمية الجزاء‏ ,‏ والخلود في حياة قادمة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا كما أخبر الصادق المصدوق‏ (صلى الله عليه وسلم‏) .‏ وتبدأ سورة الروم بثلاثة حروف من الفواتح الهجائية‏ (أو ما يعرف باسم الحروف المقطعة‏)‏ وهي ألم‏;‏ وهذه الحروف الثلاثة تكررت في مطلع ست من سور القرآن الكريم‏ (هي البقرة‏ ,‏ آل عمران‏ ,‏ العنكبوت‏ ,‏ الروم‏ ,‏ لقمان‏ ,‏ والسجدة‏) ,‏ وهذه الفواتح من أسرار القرآن الكريم التي حاول عدد من الدارسين الكشف عنها دون الوصول إلى إجماع في ذلك‏ ,‏ وتوقف الكثيرون عن الخوض فيها مكتفين بتفويض أمرها إلى الله‏ (تعالى‏) ,‏ راجين أن يفتح‏ (بفضله ورحمته‏)‏ باب علم لأحد المهتمين بها في مستقبل الأيام إن شاء‏ .‏

وتنتقل السورة الكريمة بعد ذلك إلى زف بشري الانتصار المستقبلي للروم بعد نزول السورة ببضع سنين‏ ,‏ وكانت جيوش الفرس قد هزمتهم قبل نزولها بعدة سنوات‏ ,‏ وكانت فارس دولة وثنية‏ ,‏ وكان الروم البيزنطيون من أهل الكتاب‏ ,‏ ومن هنا كانت البشري للمسلمين‏ .‏ وتؤكد الآيات في مطلع سورة الروم أن الأمر كله لله من قبل ومن بعد‏ ...‏ ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏ .‏ وتؤكد الآيات أن أكثر الناس يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون‏ .‏ وتذكر السورة الكريمة بآيات الله في الأنفس وفي الآفاق‏ ,‏ وبحتمية لقاء الله‏ ,‏ وبالاعتبار بقصص الأمم السابقة‏ ,‏ وبما نزل بهم من عذاب عقابا لهم على تكذيبهم واستهزائهم بآيات الله ورسله‏ ,‏ وتحذر من يأس المجرمين وحزنهم يوم تقوم الساعة‏ ,‏ وكفرهم بشركائهم‏ ,‏ ويومئذ يتفرق الخلق إلى صالحين وكافرين‏ ,‏ وتتحدث الآيات عن جزاء كل منهم‏ .‏ وتزخر سورة الروم بالأمر بتسبيح الله‏ ,‏ وتنزيهه عن كل وصف لا يليق بجلاله‏ ,‏ وبحمده‏ (تعالى‏)‏ على نعمائه‏ ,‏ في كل وقت‏ ,‏ وفي كل حين‏ ,‏ كما تزخر بالآيات الكونية الدالة على طلاقة القدرة الإلهية في الخلق والإفناء والبعث‏ ,‏ وتضرب العديد من الأمثال‏ . . .!!‏ وتنصح سورة الروم رسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم‏) ,‏ وبالتالي تنصح كل إنسان بأن يقيم وجهه للدين الإسلامي الحنيف‏ ,‏ ذلك الدين القيم‏ ,‏ دين الفطرة التي فطر الله‏ (تعالى‏)‏ الناس عليها‏ ,‏ والتي لا تبديل لها‏ ,‏ وهي حقيقة لا يعلمها كثير من الناس‏ ,‏ كما تنصح بالإنابة إلى الله‏ (تعالى‏)‏ وتقواه‏ ,‏ وبإقام الصلاة‏ ;‏ وتحذر من الشرك والمشركين " مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ "‏ (الروم‏:32) .‏ وتتحدث سورة الروم عن شيء من التقلب في طبائع النفس الإنسانية من مثل اللجوء إلى الله‏ (تعالى‏)‏ في الشدة‏ ,‏ والإعراض عن هديه في الرخاء‏ ,‏ والإيمان به‏ (تعالى‏)‏ في لحظات الضيق‏ ,‏ والكفر به‏ (سبحانه‏)‏ وبما أنزل في لحظات السعة‏ ,‏ وتتساءل تساؤل الاستنكار والاستهجان‏:‏ هل تلقي هؤلاء المشركون من الله‏ (تعالى‏)‏ ما يتكلم بما كانوا به يشركون؟ وتضيف أن الناس إذا أذاقهم الله رحمة فرحوا بها‏ ...‏ وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون علما بأن بسط الرزق لمن يشاء الله‏ (تعالى‏)‏ من عباده‏ ,‏ وقبضه عمن يشاء من عباده هو من آيات الله البينات لقوم يؤمنون‏ .‏ ومن مكارم الأخلاق التي تدعو إليها سورة الروم‏ :‏ الأمر بإخراج الزكاة‏ ,‏ وإيتاء كل ذي حق حقه من ذوي القربى‏ ,‏ والمساكين‏ ,‏ وأبناء السبيل‏ ,‏ والنهي عن أكل الربا‏ ,‏ وتؤكد أن الالتزام بأوامر الله خير للذين يريدون وجه الله‏ ,‏ وأنهم هم المفلحون والمضعفون‏ .‏وتؤكد السورة الكريمة أن الله‏ (تعالى‏)‏ هو الخلاق‏ ,‏ الرزاق‏ ,‏ المحيي‏ ,‏ المميت‏ ,‏ الباعث‏ ,‏ الشهيد‏ ,‏ ولا يستطيع أحد ممن أشرك به المشركون أن يفعل شيئا من ذلك‏ ,‏ فسبحانه الله وتعالى عما يشركون‏ ..!! وتربط السورة بين ظهور الفساد في البر والبحر وبين سوء أعمال الناس وما كسبت أيديهم‏ ...‏ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون‏;‏ وتأمر بالسير في الأرض لاستخلاص العبر من تاريخ الأمم السابقة وكيف كانت عاقبة أمورهم لأن أكثرهم كانوا مشركين‏ ...!!‏وتوصي سورة الروم خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله عليه وسلم‏ )‏ ـ ومن ثم فإنها تأمر جميع المؤمنينـ بضرورة الاستقامة على الدين القيم من قبل أن تأتي الآخرة فيصدع الله‏ (تعالى‏)‏ بها كل الخلائق‏ ,‏ ثم يجزي كلا بعمله‏ ,‏ ويخص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالكثير من فضله‏ ,‏ ويخص الكافرين بعذابه وعقابه‏ ,‏ لأن الله‏ (تعالى‏)‏ لا يحب الكافرين‏ .‏ وتتحدث الآيات عن إرسال الرياح مبشرات برحمة من الله وفضل‏ ,‏ ولتجري الفلك بأمره‏ ,‏ وليبتغي الناس من فضله ورحمته ولعلهم يشكرون‏ ...!!‏ وتذكر السورة الكريمة خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ بشيء من قصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين‏ ,‏ وبما أصاب المجرمين من أقوامهم‏ ,‏ كما تذكره بتعهد الله‏ (تعالى‏)‏ بنصر المؤمنين‏ .‏وتتحدث الآيات بأن الله‏ (تعالى‏)‏ " اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًافَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ " (الروم‏:48) .‏

واعتبرت سورة الروم قدرة الله‏ (تعالى‏)‏ على إحياء الأرض بعد موتها‏ (وذلك بإنزال ماء المطر عليها‏)‏ إثباتا لقدرته‏ (تعالى‏)‏ على إحياء الموتى وهو على كل شيء قدير‏;‏ وأن الناس لو رأوا الريح مصفرا لظلوا من بعده يكفرون‏ .وتعاود السورة توجيه الخطاب إلى رسول الله‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ بقول الحق‏ (تبارك وتعالى‏)‏ له‏ :‏ " فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ المَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ " (الروم‏:52) , وتؤكد الآيات أن الله‏ (تعالى‏)‏ الذي خلق الناس من ضعف‏ ,‏ ثم جعل من بعد ضعف قوة‏ ,‏ ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة قادر على أن يخلق ما يشاء وهو العليم القدير‏ .‏ وتكرر سورة الروم الحديث عن الساعة وأهوالها‏ ,‏ وعن موقف كل من المجرمين والذين أوتوا العلم والإيمان فيها‏ ,‏ وتؤكد أن معذرة الذين ظلموا لن تنفعهم يومئذ ولا هم يستعتبون‏;‏ ويقول الحق‏ (تبارك وتعالى‏)‏ أنه قد ضرب للناس في هذا القرآن من كل مثل‏ ,‏ ويوجه الخطاب مرة أخري إلى خاتم أنبيائه ورسله‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ بقوله‏ (عز من قائل‏): " وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَآ . ‏‏كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ " (الروم‏:58-59) . وتختتم السورة بتثبيت خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلى الله عليه وسلم‏)‏ بوصية من الله‏ (تعالى‏)‏ له بالصبر حتى لا يستخفنه الذين لا يوقنون من الكفار والمشركين‏ ,‏ فإن وعد الله بنصره ونصر المؤمنين حق‏ .آ

والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الروم على صدق ما جاء بها من حقائق العقيدة وقواعدها وأسسها ما يلي ‏:‏
‏(1)‏ خلق الأنفس بالحق‏ .‏ ‏
(2)‏ خلق السماوات و الأرض و ما بينهما بالحق وأجل مسمي‏ . ‏
(3)‏ أن الله‏ (تعالى‏)‏ هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده‏ وهو أهون عليه ‏ ,‏ وله المثل الأعلى في السماوات الأرض‏ ,‏ و إليه يرجع الخلق كله‏ .‏ ‏
(4)‏ إخراج الحي من الميت ‏ ,‏ وإخراج الميت من الحي‏ ,‏ وإحياء الأرض بعد موتها وضرب ذلك مثلا لبعث الخلق‏ .‏
‏(5)‏ خلق الإنسان من تراب‏ .‏
‏(6)‏ خلق الإنسان في زوجية للأنس وللراحة النفسية والسكن وللذرية‏ ,‏ وتأسيس هذه العلاقة على أسس من المودة والرحمة‏ ,‏ وجعل الخلق كله في زوجية حتى يتفرد الخالق‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ بالوحدانية المطلقة فوق كافة خلقه‏ .‏ ‏
(7)‏ اختلاف ألسنة وألوان الخلق‏ .‏
‏(8)‏ إعطاء الإنسان القدرة على النوم بالليل‏ (وهو الأصل‏)‏ أو بالنهار‏ (وهو الاستثناء للضرورة‏)‏ وعلى ابتغاء فضل الله‏ .‏
‏(9)‏ أن الله‏ (تعالى‏)‏ يري البرق للمخلوقين خوفا وطمعا‏ .‏ ‏
(10)‏ إنزال الماء من السماء فيحيي الله‏ (تعالى‏)‏ به الأرض بعد موتها‏ .‏ ‏
(11)‏ قيام السماء والأرض بأمر الله ‏ (تعالى‏) .‏ ‏
(12)‏ بعث الأجداث من الأرض بدعوة من الله ‏ (تعالى‏) .‏
‏(13)‏ خضوع وقنوت كل من في السماوات والأرض لله ‏ (سبحانه وتعالى‏) .‏
‏(14)‏ أن الله ‏ (تعالى‏)‏ هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر له‏ .‏
‏(15) ‏" ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره‏ " ‏(الروم‏:46) .
‏(16)‏" الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فتري الودق يخرج من خلاله‏ " ‏(الروم‏:48) .‏
(17) ‏" الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو القدير العليم "‏ (الروم‏:54) .‏وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى معالجة مستقلة‏ ,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا على النقطة السادسة عشرة التي تفصل تكوين السحب الطباقية ‏ ,‏ ولكن قبل الخوض في ذلك لابد من استعراض عدد من أقوال المفسرين في شرح هذه الآية الكريمة ‏ .‏

من أقوال المفسرين :
الاتجاهات الرئيسية للرياح حول الأرض :
في تفسير قوله‏ (تعالى‏) :‏" اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ " (الروم‏:48)‏ .
ذكر ابن كثير‏ (يرحمه الله‏)‏ ما نصه‏:‏ يبين تعالى كيف يخلق السحاب‏ ,‏ الذي ينزل منه الماء‏ ,‏ فقال تعالى ‏: " اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا "‏ (الروم‏:48) إما من البحر أو مما يشاء الله عز وجل‏ , "‏ فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ " (الروم‏:48) أي يمده فيكثره وينميه‏ ,‏ ينشئ سحابة تري في رأي العين مثل الترس‏ ,‏ ثم يبسطها حتى تملأ أرجاء الأفق‏ ,‏ وتارة يأتي السحاب من نحو البحر ثقالا مملوءة كما قال تعالى ‏: " وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون‏ " (الأعراف‏:57) ,‏ وكذلك قال هاهنا‏ : " اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا " (الروم‏:48) ,‏ قال مجاهد‏:‏ يعني قطعا‏ ,‏ وقال الضحاك‏:‏ متراكما‏ ,‏ وقال غيره‏:‏ أسود من كثرة الماء تراه مدلهما ثقيلا قريبا من الأرض‏ ,‏ وقوله تعالى ‏: "فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ "‏ (الروم‏:48) أي فتري المطر وهو القطر‏ ,‏ يخرج من بين ذلك السحاب" فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ‏"‏ (الروم‏:48) أي لحاجتهم إليه يفرحون بنزوله عليهم ووصوله إليهم‏ . وجاء في عدد من التفاسير الأخرى من مثل‏:‏ الجلالين‏ ,‏ الظلال‏ ,‏ صفوة البيان في معاني القرآن‏ ,‏ المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏ ,‏ وصفوة التفاسير‏ (جزي الله كاتبيها خير الجزاء‏)‏ كلام مشابه‏ ,‏ لا أري ضرورة لاسترجاعه هنا‏ .‏

" اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ "(الروم:‏48).

من دلالات الآية الكريمة في ضوء المعارف المكتسبة :
صورة حقيقية للمزن الطباقية :يقول ربنا‏ (تبارك وتعالى‏)‏ في محكم كتابه‏ :
‏" اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ "‏ (الروم‏:48)‏ .

أولا‏ً : (الله الذي يرسل الرياح ‏) (الروم‏:48) رسومات تخطيطية توضح بعض الأنواع الرئيسية للسحب :

تعرف الرياح بأنها خلايا من الهواء المحيط بالأرض تتحرك حركة مستقلة عن الحركة العامة للغلاف الغازي الذي يدور مع الأرض كجزء منها‏ .‏ والغلاف الغازي للأرض يقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات‏ ;‏ وتقدر كتلته بنحو الستة آلاف تريليون طن‏;‏ ويقع أغلب هذه الكتلة‏(%99‏ منها‏)‏ دون ارتفاع خمسين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏ ,‏ وعلى ذلك فإن حركة الرياح تكاد تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض‏ ,‏ وإن أمكن إدراكها إلى ارتفاع‏65‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر‏ . ‏ويدور الغلاف الغازي للأرض مع هذا الكوكب كجزء منه بصفة عامة إلا أن كل كتلة من كتل هذا الغلاف الغازي تحتفظ بكمية حركة دوران مستقلة تجمعها عند كل خط من خطوط العرض‏ ,‏ وتتوقف مقادير هذه الحركة المستقلة على بعد كتلة الغاز عن محور الأرض‏ ,‏ وعلى ذلك يكون أعلاها في المنطقة الاستوائية‏ ,‏ وأقلها في المنطقة القطبية‏;‏ وعلى هذا الأساس تنحرف الرياح التي تهب نحو خط الاستواء تجاه الغرب والتي تهب بعيدا عنه تجاه الشرق بصفة عامة‏ .‏وأعلى سرعة للرياح تقع فوق نطاق الرجع مباشرة‏ ,‏ الذي يتراوح سمكه بين ستة عشر‏(16)‏ كيلو مترا فوق خط الاستواء‏ ,‏ وعشرة كيلو مترات‏ (10)‏ فوق القطبين‏ ,‏ وبين سبعة‏(7)‏ وثمانية‏(8)‏ كيلو مترات فوق خطوط العرض الوسطي‏ ,‏ ولذلك فإن الرياح عندما تتحرك من خط الاستواء في اتجاه القطبين فإنها تهبط فوق هذا المنحني الوسطي‏ ,‏ فتزداد سرعتها‏ ,‏ هذا بالإضافة إلى أن دوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق يعطي محصلة شرقية لحركة كتل الهواء في المناطق المعتدلة‏ ,‏ ومحصلة غربية في المناطق الاستوائية‏ ,‏ مما يزيد من سرعان هذه الرياح العليا زيادة ملحوظة تعطيها اسم التيارات النفاثة‏ .‏ وهي أحزمة تكاد تغلف الأرض‏ ,‏ يتدفق فيها الهواء بصورة متنقلة وسريعة وغير مستقرة‏ .‏

وبالإضافة إلى ذلك فإن الصفات الطبيعية للكتل الهوائية المتجاورة مثل درجة الحرارة‏ ,‏ الضغط الجوي‏ ,‏ درجة الرطوبة والشفافية وغيرها تتباين على المستويين الأفقي والرأسي مما يؤدي إلى تحرك الرياح من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض‏ ,‏ ففي المنطقة الاستوائية حيث تتعامد أشعة الشمس أغلب العام‏ ,‏ يتكون حزام من الضغط المنخفض يعرف باسم منطقة الركود تهب عليها الرياح من مناطق الضغط المرتفع حول كل من المدارين‏ (مدار السرطان ومدار الجدي‏)‏ أي من الشمال ومن الجنوب وتعرف باسم الرياح التجارية وهذه الرياح عند مرورها فوق البحار والمحيطات تتشبع ببخار الماء الذي تبخره حرارة الشمس من المسطحات المائية‏ ,‏ ويصل إلى الهواء من تنفس وإفرازات كل من الإنسان والحيوان‏ ,‏ ومن نتح النبات‏;‏ وعندما يصل هذا الهواء المشبع ببخار الماء إلى المنطقة الاستوائية ترتفع درجة حرارته فتقل كثافته مما يعين على ارتفاعه إلى أعلى حيث الانخفاض المستمر في كل من الضغط ودرجة الحرارة فيعين ذلك على تكثف بخار الماء وتكون السحب‏ .‏
وفي المنطقتين المداريتين يهبط الهواء البارد من أعلى إلى أسفل لكثافته‏ ,‏ فترتفع درجة حرارته‏ ,‏ ويفقد رطوبته‏ ,‏ فيزداد الجفاف وتنتشر الصحاري‏ .‏أما عند القطبين فإن برودة الجو تؤدي إلى تكوين منطقتين من مناطق الضغط المرتفع تهب منهما الرياح الباردة المعروفة باسم الشرقيات القطبية‏;‏ وبين كل من قطبي الأرض والمنطقتين المداريتين توجد منطقة ضغط منخفض في المنطقتين المعتدلتين متجهة إليها رياح رطبة دافئة تعرف باسم الغربيات السائدة‏ ,‏ وعند التقاء الغربيات السائدة بالشرقيات القطبية يرتفع الهواء الرطب الدافئ إلى أعلى فوق الهواء البارد الجاف مثيرا لتكون السحب بإرادة الله‏ (تعالى‏) .‏ وبالإضافة إلى هذه الخلايا الرئيسية التي تكون الدورة العامة للرياح‏ ,‏ هناك مرتفعات ومنخفضات جوية تتم على نطاق أصغر فتزيد من تعقيد الصورة‏ ,‏ وبعضها عارض مؤقت‏ (وليس ثابتا في مكان محدد‏ ,‏ لكنه يتحرك من مكان إلى آخر‏) ,‏ وبعضها ثابت محدد‏ .‏
وتنجم التغيرات في الضغط الجوي أساسا عن التغيرات في كم الحرارة الذي يصل إلى الأجزاء المختلفة من سطح الأرض في أثناء دورانها حول محورها المائل على دائرة البروج بزاوية مقدارها ست وستون درجة ونصف تقريبا أمام الشمس‏;‏ وعلى ذلك فإن مناطق الضغط المختلفة ـومن ثم حركة الرياحـ تتبع الوضع الظاهري للشمس‏ ,‏ فنجدها تنزاح نحو الشمال في فصل الصيف‏ ,‏ ونحو الجنوب في فصل الشتاء‏ .‏

وعلى ذلك فإن الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض إلى ارتفاع ‏(65)‏ كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر يقسم أفقيا ورأسيا إلى عدد من الكتل الهوائية التي تتمايز عن بعضها بعضا في عدد من صفاتها الطبيعية من مثل درجات الحرارة والرطوبة والضغط والشفافية‏ ,‏ والمهيمن على هذه الكتل الهوائية في نشأتها‏ ,‏ وتصريفها هو الإرادة الإلهية التي تضع كلا منها لفترة محددة فوق مساحة معينة من سطح الأرض‏ ,‏ سواء كان ذلك من اليابسة أو الماء‏ ,‏ لأن الهواء السائد لمدة كافية فوق أية مساحة من الأرض لا يلبث أن يتأثر بخصائصها الطبيعية‏ (خاصة درجات الحرارة والرطوبة والشفافية‏)‏ بسمك يتباين بتباين طول مكثها فوق تلك المساحة الأرضية‏ .‏ وعند إزاحة تلك الكتل الهوائية إلى مناطق أخري بواسطة تصريف الله‏ (تعالى‏)‏ للرياح‏ ,‏ فإنها تحمل معها صفاتها من الحرارة أو البرودة‏ ,‏ والرطوبة أو الجفاف فتؤدي إلى التقلبات الجوية‏ .‏ويتكون على السطح الوهمي الفاصل بين كل كتلتين من هذه الكتل الهوائية المتباينة في صفاتها الطبيعية ما يسمي باسم الجبهات الهوائية‏ ,‏ وهي مناطق تفاعل جوي نشط‏ ,‏ فإذا التقت كتلتان من الهواء فإن الدافئة منهما تعلو فوق الباردة‏ ,‏ ويتكون بينهما منطقة انتقالية هي منطقة الجبهة الهوائية التي تحول دون اختلاطهما‏ .‏
والنتيجة هي قيام دورة عامة للرياح حول الأرض تبلغ من الدقة والتعقيد والانتظام ما لا يمكن لعاقل أن يرده لغير الله الخالق‏ (سبحانه وتعالى‏) ,‏ فإن فهمنا لبعض السنن الحاكمة للدورة العامة للرياح حول الأرض لا يخرجها عن كونها من جند الله‏ ,‏ يسخرها بإرادته ومشيئته‏ ,‏ ومع فهمنا لبعض تلك السنن فإن حيودا كثيرة تطرأ عليها ولا يمكن ردها إلا إلى الإرادة الإلهية التي تصرف الرياح حسب علم الله وحكمته‏;‏ فالله‏ (تعالى‏)‏ هو الذي يرسل الرياح‏ ,‏ وهو الذي يصرفها كيف يشاء‏ ,‏ ولا يمكن لأحد أن يتحكم في حركة الرياح غيره‏ (سبحانه وتعالى‏) ,‏ والسنن التي نراها حاكمة لتلك الحركة هي من صنع الله وتدبيره‏ ,‏ وهي أيضا محكومة بعلم الله‏ ,‏ وحكمته وإرادته‏;‏ ومعرضة للتغيير والتحويل في كل وقت‏ ,‏ وليس أدل على ذلك من التقلبات الجوية‏ ,‏ والتغير في مناخ المناطق الأرضية المختلفة من زمن إلى آخر من أزمنة الأرض‏ .‏

ثانيا‏ : (فتثير سحابا ‏) (الروم‏:48) :‏
يلعب بخار الماء العالق في طبقات الغلاف الغازي المحيط بالأرض دورا مهما في نشأة جميع الظواهر الجوية باستثناء العواصف الرملية ‏;‏ فعندما تسطع الشمس فوق المسطحات المائية فإن حرارتها تبخر جزءا من هذا الماء الذي يرتفع ليعلق بالأجزاء الدنيا من الغلاف الغازي المحيط بالأرض‏ ,‏ والذي يندفع إليه أيضا كميات أخري من بخار الماء عن طريق تنفس وإفرازات أجساد كل من الإنسان والحيوان‏ ,‏ وبخر ونتح النباتات‏ .‏ويقدر ما يرتفع من بخار الماء سنويا من الأرض إلى غلافها الغازي بنحو‏(380 .000)‏ من الكيلو مترات المكعبة‏ ,‏ وتحمل الرياح هذا الكم الهائل من بخار الماء على هيئة السحب‏ ,‏ وبنسبة أقل على هيئة درجات متفاوتة من الرطوبة‏ ,‏ لتعيده مرة أخري إلى الأرض حسب تصريف الله تعالى فيما يعرف باسم دورة الماء حول الأرض‏ ,‏ التي بدونها كان كل ماء الأرض عرضة للفساد والتعفن لكثرة ما يموت فيه من الكائنات‏ . وتحمل السحب نحو20%‏ فقط من الرطوبة ‏ (الماء ‏)‏ الموجودة في الغلاف الغازي للأرض‏ ,‏ ويوجد الماء بها على هيئة قطيرات صغيرة جدا لا يكاد طول قطرها يتعدي الميكرون الواحد‏ (أي‏0 .001‏ من الملليمتر‏)‏ وتلتصق هذه القطيرات المائية بالهواء للزوجتها ولقدرة الماء الفائقة على التوتر السطحي‏ ,‏ وذلك في السحب غير الممطرة‏ ,‏ فإذا تلقحت تلك السحب بنوى التكثف المختلفة‏ (من مثل هباءات الغبار والهباب والأملاح وغيرها من شوائب الهواء‏ ) ,‏ أو بامتزاج سحابتين مختلفتين في صفاتهما الطبيعية‏ ,‏ فإن مزيدا من عملية تكثف بخار الماء يؤدي إلى نمو قطيرات الماء في السحب مما يزيد من إمكان إنزالها المطر أو البرد أو الثلج أو خلائط منها بإذن الله‏ (تعالى‏ ) .‏فعندما يتكثف بخار الماء في الهواء‏ ,‏ ويتحول إلى قطيرات من الماء أو إلى بللورات دقيقة من الثلج أو من خليط منهما يتكون كل من السحاب ,‏ والضباب‏ ,‏ والندي‏ ,‏ والصقيع وغيرها من الظواهر الجوية‏;‏ وكل من الندي والضباب ينجم عن التبريد بالإشعاع في أثناء الليل‏ ,‏ بينما يمكن أن يتبرد الهواء بالتوصيل الحراري‏ ,‏ أو بالمزج مع هواء أبرد‏ ,‏ أو بالانتشار والتمدد‏;‏ وتتطلب عملية تكثف بخار الماء الموجود في الهواء عموما استمرار التبريد حتى تصل درجة الحرارة إلى مستوي التشبع‏ (نقطة الندي‏ ) ,‏ وعندها يصير الهواء غير قادر على حمل كل ما به من بخار الماء فيتكثف جزء منه على هيئة قطيرات الماء‏ .‏وتتكون السحب نتيجة لتكثف بخار الماء في الهواء الدافئ الرطب‏ ,‏ ويتم ذلك بتبريد هذا الهواء بالتقائه مع جبهة باردة‏ ,‏ أو بارتفاعه إلى أعلى فوق الجبهة الباردة‏ ,‏ أو بارتطامه بسلاسل جبلية عالية تعين على ارتفاعه إلى مستويات عليا ‏;‏ وفي كل الأحوال يكون إرسال الرياح وتصريفها بمشيئة الله‏ (تعالى‏)‏ هو الوسيلة الفاعلة في شحنها بالرطوبة‏ ,‏ وفي حركة الهواء الرطب أفقيا ورأسيا‏ ,‏ ومن ثم إثارة السحب بمختلف أنواعها‏ ,‏ ويعين في ذلك كل من حرارة الشمس‏ ,‏ وتضاريس سطح الأرض‏ ,‏ ودوران الأرض بميل واضح حول محورها من الغرب إلى الشرق‏ ,‏ والجاذبية الأرضية‏ ,‏ وتدرج معدلات الضغط بين كتل الهواء المختلفة‏ ,‏ وكل من الكهربية والمغناطيسية الجويين‏ ,‏ وعمليات المد والجزر الهوائيين في المستويات المرتفعة‏ ,‏ والرياح الشمسية التي تهب على الأرض‏ ,‏ وغيرها من العوامل‏ ,‏ ولذلك فإن إنزال المطر من السحب لا يزال قضية غير مفهومة علميا بالتفصيل‏ ,‏ لتداخل العديد من العوامل المؤثرة والتفاعلات غير المعروفة فيها والتي لا يمكن ردها إلا إلى الإرادة الإلهية‏ . . .!!!‏ فسقوط المطر لا يزال سرا من أسرار الكون التي لم يستطع الإنسان أن يفهمها بالكامل إلى يومنا الراهن ونحن نعايش نهضة علمية وتقنية لم يسبق لجيل من البشر أن وصل إلى مستواها‏ ...!!‏
وتقسم السحب في نطاق الرجع عادة حسب ارتفاعاتها إلى ثلاث مجموعات كما يلي‏ :‏
‏(1)‏ سحب منخفضة ‏:‏ وتمتد من سطح البحر إلى ارتفاع كيلو مترين تقريبا‏ .
(2)‏ سحب متوسطة الارتفاع‏ :‏ وتمتد من كيلو مترين إلى سبعة كيلو مترات فوق مستوى سطح البحر‏ .‏
‏(3)‏ سحب مرتفعة ‏:‏ وتمتد من ارتفاع سبعة كيلو مترات فوق مستوي سطح البحر إلى ارتفاع ثلاثة عشر كيلو مترا تقريبا‏ .‏كذلك تقسم السحب حسب طرائق تكونها إلى سحب تنمو رأسيا وتعرف باسم السحب الركامية‏ (وتصفها الآية الثالثة والأربعون من سورة النور وصفا تفصيليا مع كل الظواهر المصاحبة لها‏) ,‏ وسحب تنمو أفقيا وتعرف باسم السحب الطباقية وتصفها الآية التي نحن بصددها وهي الآية رقم‏48‏ من سورة الروم وصفا بالغ الدقة في الإحكام والروعة في الإيجاز‏) .‏ وبالمزاوجة بين الأساسين السابقين تمكن علماء الأرصاد الجوية من التعرف على عشر مجموعات رئيسية من السحب على النحو التالي ‏:‏

‏(‏أ‏)‏ السحب المنخفضة ‏:‏
وتقسم إلى أربع مجموعات هي‏ :‏
‏(1)‏ السحاب الطباقي المنبسط الخفيض أو الرهج ‏(Stratus) .‏
‏(2)‏ السحاب الركامي الطباقي ‏(Stratocumulus) .‏
‏(3)‏ السحاب الركامي المنخفض أو الخفيض ويعرف عند العرب باسم القرد‏(Cumulus) .‏
‏(4)‏ المزن الركامية‏ (الركام المزني‏)‏ ويعرف عند العرب باسم الصيب ‏(Cumulonimbus) .‏
(ب‏)‏ السحب المتوسطة ‏:‏وتقسم إلى ثلاث مجموعات هي‏ :
‏(1)‏ السحاب الركامي المتوسط ‏(Altocumulus) .‏
‏(2)‏ السحاب الطباقي المتوسط ‏(Altostratus) .‏
‏(3)‏ المزن الطباقية ‏(Nimbostratus) .‏
‏(جـ‏)‏ السحب المرتفعة ‏:‏ وتقسم إلى ثلاث مجموعات هي‏ :‏
‏(1)‏ السحاب الرقيق المرتفع ويعرف عند العرب باسم القزع‏(Cirrus) .‏
‏(2)‏ السحاب الركامي المرتفع أو السمحاق الركامي (Cirrocumulus) .‏
‏(3)‏ السحاب الطباقي المرتفع أو السمحاق الطباقي ‏(Cirrostratus) .‏ وتقع السحب الطباقية عادة في المستويين الأدنى والأوسط من نطاق الرجع‏ ,‏ ونادرا ما تصل إلى مستوياته العليا‏ ,‏ وعلى العموم يهبط مستوي تكون كل أنواع السحب عن هذه المستويات المتوسطة فوق القطبين‏ ,‏ وتزيد عنها في المناطق الاستوائية‏;‏ ويندر تكون السحب في نطاق التطبق لندرة الرطوبة فيه بصفة عامة‏ .

ثالثا‏ : "فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ" (الروم‏:48) :‏
عندما يرسل الله‏ (تعالى‏)‏ الرياح فتدفع بكتلة من الهواء الدافئ الرطب فوق كتلة من الهواء البارد‏ ,‏ أو تدفع بكتلة من الهواء البارد تحت كتلة من الهواء الرطب الدافئ‏ ,‏ فإن الهواء الدافئ القليل الكثافة يطفو فوق الهواء البارد الكثيف في الحالتين‏ ,‏ فيتمدد ويبرد‏ ,‏ ويبدأ ما به من بخار الماء في التكثف على هيئة قطيرات من الماء‏ ,‏ فتتكون مجموعات من السحب المنخفضة غالبا‏ ,‏ التي تنتشر انتشارا أفقيا في صفحة السماء على هيئة طباقية تمتد إلى عشرات الكيلو مترات المربعة في المستوي الأفقي‏ ,‏ وبسمك لا يتجاوز عدة مئات من الأمتار‏ ,‏ ولذا تعرف باسم السحب الطباقية
‏(Stratiformor Layered Clouds) .‏
وهذه السحب الطباقية تدفعها الرياح في اتجاه أفقي عمودي على اتجاه جبهتها‏ ,‏ فتزودها بمزيد من بخار الماء‏ ,‏ فيكون انتشارها أساسا في هذا الاتجاه الأفقي‏ ,‏ ولكن نظرا لاختلاف درجات الحرارة في داخل هذه السحابة الأفقية الممتدة إلى عشرات الكيلو مترات يحدث بداخلها تيارات حمل خاصة عند اصطدامها ببعض تضاريس الأرض‏ ,‏ ولذلك فهي عادة ما تكون من أكثر أنواع السحب توزعا في السماء‏ ,‏ وتهيئة لإنزال المطر بإذن الله‏ ,‏ ويكون إمطارها على مساحات شاسعة من سطح الأرض‏;‏ ولعل هذا هو المقصود من الوصف القرآني الدقيق الذي يقول فيه ربنا‏ (تبارك وتعالى‏) :‏ " فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ ‏ " (الروم‏:48) .

رابعا‏ : " وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا " (الروم‏:48) :‏
عندما تتكون السحب الطباقية يرسل الله‏ (تعالى‏)‏ الرياح لتلقحها بنوى التكثف مما يعين على مزيد من نمو قطيرات الماء فيها‏ ,‏ ويجعلها مهيأة لإنزال المطر بإذن الله‏ .‏ وتتخلق السحب الطباقية عادة عند التقاء كتلة من الهواء الرطب الدافئ مع كتلة من الهواء البارد‏ ,‏ أو عند اصطدام تلك الكتلة الهوائية الرطبة بتضاريس سطح الأرض‏;‏ وعند ذلك يحدث بداخل تلك السحب الطباقية التي تنتشر أساسا في الاتجاه الأفقي بعض عمليات الرفع إلى أعلى مما يحدث تيارات حمل رأسية بداخلها تؤدي إلى تمزيقها إلى عدد كبير من القطع المتجاورة‏;‏ ولعل هذا هو المقصود بقول الحق‏ (تبارك وتعالى‏) : ‏" وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا ‏ " (الروم‏:48)‏ .

خامسا‏ : " فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ "(الروم‏:48) :‏
تتكون السحب الطباقية عادة من قطيرات الماء في أجزائها السفلي‏ ,‏ ومن قطيرات الماء شديد البرودة في أجزائها العليا حيث تصل درجة الحرارة إلى ما دون الصفر المئوي بنحو عشر درجات‏ .‏ ومن المعروف أن هذا النوع من السحب لا يتكون بداخله البرد ولا يصاحبه البرق والرعد‏ .‏ وتظل قطرات الماء في السحب الطباقية تنمو بالتكثف أو بالتصعيد أو بهما معا إلى حد معين حين تتوقف عمليات التكثف‏ . ولكي تنزل قطرات الماء من خلال السحابة على هيئة المطر لابد من نموها إلى أحجام وكتل تسمح بسقوطها بفعل بالجاذبية الأرضية‏ ,‏ كما تسمح بتحملها لعمليات البخر في أثناء هذا النزول في الهواء غير المشبع بين السحابة وسطح الأرض‏ (بمتوسط سرعة في حدود سنتيمتر واحد في الثانية‏)‏ حتى تصل إلى سطح الأرض على هيئة رذاذ أو مطر‏ .‏ وفي العمر العادي للسحابة فإن قطرات الماء لا يمكنها أن تنمو بالتكثف وحده إلى الحجم المطلوب‏ (عشري الملليمتر في طول القطر على الأقل‏)‏ ولكن يشاء الله‏ (تعالى‏)‏ أن يجعل من تصادم هذه القطرات والتحامها مع بعضها البعض في أثناء نزولها ما يعين على الوصول إلى الحجم والكتلة المطلوبين لنزولها من السحابة ومرورها بسرعة أعلى في عمق الهواء غير المشبع تحت السحابة مما يعين على تقليل كمية التبخر منها‏ .‏ كذلك فإن في الأجزاء العليا من السحب الطباقية يمكن أن يتجمد بخار الماء مباشرة كما قد يتجمد عدد من قطيرات الماء شديدة البرودة على هيئة بللورات من الثلج تنمو بسرعة مكونة رقائق من الثلج الذي ينزل في اتجاه الأرض فينصهر متحولا إلى قطرات الماء قبل الوصول إليها‏ .‏ ولم يستطع العلم إلى يومنا الراهن أن يفسر عملية إنزال المطر من السحاب تفسيرا كاملا خاصة أن العديد من السحب تحمل الصفات نفسها وتوجد تحت نفس الظروف الطبيعية والمناخية ويمطر بعضها ولا يمطر البعض الآخر‏ ,‏ وعلى ذلك فإن المطر يعتبر سرا من أسرار الكون لم يستطع الإنسان أن يفهمه تماما‏ ,‏ وقد رده القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة إلى الإرادة الإلهية‏ ,‏ ومن هنا جاءت الومضة النورانية السادسة في هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا‏ (تبارك وتعالى‏) : ‏" فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ " (الروم‏:48) .
فالحمد لله الذي أنزل القرآن الكريم أنزله بعلمه والصلاة والسلام على النبي الخاتم الذي تَلَقَّاهُ وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه‏ ,‏ ودعا بدعوته إلى يوم الدين‏.