Your browser doesn't support JavaScript or you have disabled JavaScript. Therefore, here's alternative content...

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

الإعجاز العلمي
أدوات القراءة
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • Default Helvetica Segoe Georgia Times

 ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (النحل115).

هذه الآية الكريمة جاءت في أوائل العشر الأخير من سورة النحل‏ ,‏ وهي سورة مكية‏ ,‏ وعدد آياتها ‏(128)‏ بعد البسملة‏ ,‏ وقد سميت بهذا الاسم النحل لأن الله‏ (تعالى‏)‏ قد نحل الشغالات من إناثها القدرة علي جمع رحائق الأزهار‏ ,‏ وما بها من غبار الطلع‏ (حبوب اللقاح‏)‏ من العديد من النباتات المزهرة‏ ,‏ وهضمه‏ ,‏ وتحويله في بطونها إلى ذلك الشراب المختلف الألوان الذي جعل الله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ فيه شفاء للناس والمعروف إجمالا باسم عسل النحل‏.‏ ويدور المحور الرئيسي لسورة النحل حول قضيتي العقيدة الإسلامية‏ ,‏ والدعوة إلى مكارم الأخلاق‏ ,‏ وكلتاهما من ركائز الدين الإسلامي العظيم الذي أنزله الله‏ (تعالى‏)‏ علي فترة من الأنبياء والمرسلين ثم أكمله وأتمه في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم سيدنا محمد بن عبد الله‏ (صلي الله عليه وسلم‏) .‏
وفي خلال تأسيسها لقواعد العقيدة الإسلامية استشهدت سورة النحل بالعديد من آيات الله في الكون بصياغة علمية رصينة تتسم بالكمال والشمول والإيجاز‏.

من ركائز العقيدة في سورة النحل :

‏(1)‏ الإيمان بالله‏ (تعالى‏)‏ ربا واحدا أحدا‏ ,‏ فردا صمدا‏ ,‏ لم يلد‏ ,‏ ولم يولد‏ ,‏ ولم يكن له كفوا أحد‏ ,‏ وتنزيهه
‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ عن الشريك‏ ,‏ وعن الشبيه‏ ,‏ وعن المنازع‏ ,‏ وعن كل من الصاحبة والولد‏ ,‏ فهذه كلها من صفات المخلوقين‏ ,‏ والله‏ (تعالى‏)‏ منزه عن جميع صفات خلقه‏ ,‏ وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏.‏
وهذا الإله الخالق هو خالق كل شيء‏ ,‏ ورازق كل مخلوق‏ ,‏ فلا يخلق ولا يرزق غيره‏ ,‏ وبالتإلى فلا يجوز أن يعبد سواه‏ ,‏ ولا يجوز أن يدعي إلا بما سمي به ذاته العلية من الأسماء الحسني‏ ,‏ ولا يوصف إلا بما وصف به ذاته الإلهية من الصفات العليا‏ ,‏ ومن هنا فلا يجوز للمخلوقين أن يضربوا لله الأمثال لأنهم لا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا والله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ عليم بكل شيء‏ ,‏ له غيب السماوات والأرض‏ ,‏ وأمره نافذ عاجل لا يرد‏ ,‏ وأنه علي كل شيء قدير‏ ,‏ وأن الدين له وحده‏ (سبحانه وتعالى‏) ,‏ لا يشاركه في ذلك شريك ولا ينازعه منازع‏ ,‏ ومن ثم فالحاكمية له وحده ومضمونها الحق في التحليل والتحريم ‏ .‏
والخلق يشهد لخالقه بطلاقة القدرة‏ ,‏ وببديع الصنعة‏ ,‏ وإحكام الخلق‏ ,‏ وإحاطة العلم بكل شيء في السماوات والأرض‏ ,‏ وهما وجميع ما ومن فيهما له عبد يسجد لجلاله طوعا وكرها‏.‏
‏(2)‏ اليقين بحقيقة الوحي ومن معانيه أن الله‏ (تعالى‏)‏ أنزل ملائكته بالهداية الربانية لخلقه على من اصطفى من عباده الذين اختارهم بعلمه وحكمته‏ ,‏ وهم الأنبياء والمرسلون الذي أرسلهم الله‏‏ سبحانه وتعالى‏)‏ بالإسلام العظيم وختمهم ببعثه سيد الأولين والآخرين من ولد آدم سيدنا محمد‏ (صلي الله عليه وسلم‏).‏
‏(3)‏ الإيمان بحتمية الآخرة‏ ,‏ وبضرورتها وفجائيتها‏ ,‏ وبأن موعدها قد اقترب‏ ,‏ واليقين بحقيقة كل من البعث والحساب‏ ,‏ والجنة والنار‏ ,‏ وبأن الجنة هي مثوى المتقين‏ ,‏ وأن النار هي مثوى الكفار والمشركين‏.‏
‏(4)‏ اليقين بأن الله‏ (تعالى‏)‏ سوف يبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم في يوم القيامة‏ ,‏ وأن خاتم الأنبياء والمرسلين‏ (صلي الله عليه وسلم‏)‏ سوف يشهد علي الناس في زمانه وفي كل الأزمنة من بعده إلى يوم الدين‏ .‏
‏(5)‏ الإيمان بأن الله‏ (تعالى‏)‏ يفضل بعض خلقه علي بعض في الرزق‏ ,‏ لحكمة يعلمها بعلمه المحيط‏ ,‏ وأن من نعمه علي عباده أن جعل لهم من أنفسهم أزواجا‏ ,‏ وجعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة‏ ,‏ وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة‏ ,‏ حتى يكتسبوا بها المعارف المختلفة لأن الله‏ (تعالى‏)‏ يخرج المواليد من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا‏;‏ وكل نعمة اختص الله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ بها عبدا من عباده هي من فضل الله العليم العظيم الذي لا تحصى نعمه ولا تعد أفضاله‏.‏
‏(6)‏ اليقين بأن الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام‏ ,‏ وبأن الهجرة من أجل إعلاء دين الله أجرها في الدنيا عظيم‏ ,‏ وثوابها في الآخرة أعظم‏ ,‏ وبأن الذين مكروا السيئات لا يأمنون أن يخسف الله‏ (تعالى‏)‏ بهم الأرض‏ ,‏ أو أن يأتيهم عذابه من حيث لا يشعرون‏ ,‏ وبأن من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فسوف يحييه الله حياة طيبة‏ ,‏ ولسوف يجزيه أجره بأحسن ما كان يعمل‏ ,‏ وبأن الذين زين لهم الشيطان أعمالهم سوف يكون هو وليهم يوم القيامة‏ ,‏ وأن لهم عذابا أليما‏ .‏ وأنه لا ملجأ ولا منجي من الله إلا إليه‏.‏
‏(7)‏ الرضا بأن الله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ قد وهب الناس عقولا مدركة تفكر‏ ,‏ وإرادة حرة تختار وتوجه‏ ,‏ وقد تبين لهم طريق الاستقامة الموصل إلى الخير‏ ,‏ وطرق الانحراف المفضية إلى الشر‏ ,‏ وترك الخيار كاملا لكل فرد‏.‏

من مكارم الأخلاق في سورة النحل :
‏(1)‏ الدعوة إلى إقامة عدل الله في الأرض‏ ,‏ والإحسان إلى الخلق‏ ,‏ والوفاء بالعهد‏ ,‏ واحترام الأيمان‏ ,‏ والإنفاق في سبيل الله وإيتاء ذي القربى علي أن ينطلق ذلك كله من منطلق تقوي الله‏ ,‏ ورجاء رضوانه‏ ,‏ ومخافة عقابه‏ ,‏ مع القناعة الكاملة بضرورة ذلك من أجل استقامة الحياة علي الأرض ‏ .‏
‏(2)‏ الدعوة إلى رفض الظلم بكل أشكاله وصوره‏ ,‏ وبضرورة مقاومته بكل وسيلة مشروعة‏ ,‏ فإن تعذر ذلك فلتكن الهجرة في سبيل الله ‏ .‏
‏(3)‏ التحذير من الوقوع في الفتنآ  ما ظهر منها وما بطن ومن أخطرها فتن الكفر بالله‏ (تعالى‏)‏ أو الشرك به‏ (سبحانه‏) ,‏ أو التطاول علي أنبيائه ورسله وبالأخص علي خاتمهم وإمامهم أجمعين‏ ,‏ سيد الأولين والآخرين من ولد آدم‏ ,‏ وأحب خلق الله إلى الله ‏ .‏
‏(4)‏ النهي القاطع عن الوقوع في دنس الفحشاء والمنكر والبغي والأمر بالبعد عن كل طريق يوصل إلى أي منها ‏ .‏
‏(5)‏ الحض علي شكر نعم الله الظاهرة والباطنة‏ ,‏ فبالشكر تدوم النعم‏ ,‏ وتنكسر حدة الغرور في النفس الإنسانية التي يجب عليها أن تعلم أن مرد كل نعمة إلى الله‏ (تعالى‏)‏ وحده‏ ,‏ وأنه لا مخرج من كل شدة يمر بها الإنسان إلا باللجوء إلى الله‏ (سبحانه وتعالى‏)‏ وحده ‏ .‏
‏(6)‏ التذكير برحلة الإنسان في هذه الحياة من النطفة الأمشاج إلى الميلاد والطفولة‏ ,‏ ثم الشباب والفتوة‏ ,‏ ثم الكهولة والشيخوخة والهرم والضعف‏ ,‏ ثم الاحتضار والموت‏ ,‏ وما يتخلل ذلك العمر من فترات الرخاء والشدة‏ ,‏ وفترات النعمة والابتلاء‏ ,‏ ومحصلة ذلك كله عند مفارقة الحياة الدنيا‏ .‏
‏(7)‏ الدعوة إلى تكريم الأنثى طفلة‏ ,‏ وشابة‏ ,‏ وعجوزا‏.‏

﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (النحل115).

من الإشارات الكونية في سورة النحل:
‏(1)‏ التأكيد علي قضية الخلق بأبعادها الثلاثة‏‏ خلق السماوات والأرض‏ ,‏ خلق الحياة‏ ,‏ خلق الإنسان‏ ,‏ وعلي أن خلق الإنسان يتم من نطفة لا تُرى بالعين المجردة والعلم يؤكد حقيقة ذلك ‏ .‏
‏(2)‏ الإشارة إلى خلق الأنعام‏ (من مثل الإبل والبقر والضأن والماعز‏)‏ وإلى ما فيها من منافع كثيرة‏ ,‏ ومعجزات ظاهرة ومن أبرزها تكوين اللبن في ضروعها من بين فرث ودم‏ ,‏ وإخراجه لبنا خالصا سائغا للشاربين‏ ,‏ وأكل لحومها‏ ,‏ والتدفئة بما يصنع من جلودها وأصوافها وأوبارها وأشعارها‏ ,‏ وخلق كل من الخيل والبغال والحمير‏ ,‏ وغير ذلك من وسائل الركوب والزينة وحمل الأثقال التي كانت معروفة في زمن الوحي‏ ,‏ والتي استجدت من بعد زمن الوحي‏ ,‏ والله قادر علي أن يخلق كل شيء مما يعلم الناس ومما لا يعلمون‏.‏
‏(3)‏ الإشارة إلى دورة الماء حول الأرض بذكر إنزاله من السماء مصدرا للشراب‏ ,‏ ولإنبات النبات من الشجر والزروع من مثل الزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات وجعل ذلك آية للذين يتفكرون‏ .‏
‏(4)‏ تسخير الأرض كي تكون صالحة للعمران‏ ,‏ وتسخير كل من الشمس والقمر والنجوم بأمر من الله‏آ (تعالى‏)‏ كي تستقيم الحياة‏ ,‏ والإشارة إلى تكوير الأرض‏ ,‏ وإلى دورانها حول محورها أمام الشمس حتي يتبادل عليها الليل والنهار‏ ,‏ ومن نتائج ذلك مد الظل وقبضه الذي اعتبرته صورة من صور السجود لله‏آ (تعالى‏) .‏
‏(5)‏ نشر مختلف صور وأشكال وألوان المخلوقات من الأحياء والجمادات في الأرض وإعطاء الإنسان قدرات من مختلف صور الحس تعينه علي تمييزها‏ ,‏ والتمتع بها‏.‏
‏(6)‏ تسخير البحر للإنسان بما فيه من أحياء ذات لحم طري يؤكل‏ ,‏ وهياكل للحيوانات تصلح لصناعة الحلي التي تلبس‏ ,‏ وقدرة علي حمل الفلك ذات الأحجام المختلفة التي تجري بمصالح العباد شاقة عباب مائه‏ ,‏ وما فوق الماء من هواء‏.‏
‏(7)‏ إلقاء الجبال علي الأرض‏ ,‏ وجعلها رواسي لها كي لا تميد ولا تضطرب‏ ,‏ والإشارة إلى ارتباط تكون قمم الجبال بتكون منابع الأنهار‏ ,‏ ودور تلك المجاري المائية في تفتيت الصخور‏ ,‏ وشق الفجاج والسبل‏ ,‏ وتشكيل تضاريس سطح الأرض التي تصبح علامات دالة للاهتداء بها في وضح النهار‏ ,‏ كما جعل النجوم علامات للهداية بالليل‏.‏
‏(8)‏ وصف عقاب بعض الأمم السابقة وصفا ينطبق بدقة فائقة علي ما تحدثه الهزات الأرضية العنيفة‏
آ (الزلازل‏)‏ في زماننا‏ ,‏ وذلك من قبل أن يدرك أحد من الخلق كيفية حدوث ذلك‏.‏
‏(9)‏ الاستشهاد بما في ثمرات كل من النخيل والأعناب من الرزق الحسن‏ ,‏ وإن أساء بعض الناس استخدام ذلك في صناعة الخمور‏.‏
‏(10)‏ الإشارة إلى أمة نحل العسل‏ ,‏ ومنحها القدرات الفطرية علي تنظيم مجتمعاتها تنظيما دقيقا تتوزع فيه الاختصاصات والمسئوليات والمهام في تعايش جماعي تكافلي رائع‏.‏
‏(11)‏ التنويه بخلق بلايين الرجال والنساء من نفس واحدة هي نفس أبينا آدم‏ (عليه السلام‏)‏ الذي خلق الله‏
آ (تعالى‏)‏ منها زوجها‏ ,‏ وبث منهما رجالا كثيرا ونساء‏ ,‏ وخلق من هذه الأزواج البنين والحفدة‏ ,‏ وجعل من هذا النسل العظيم من يتوفي مبكرا‏ ,‏ ومن يرد إلى أرذل العمر وإلى ضعف البنيان الجسدي‏ ,‏ ومن أبرز مظاهره فقدان الذاكرة جزئيا أو كليا.‏
‏(12)‏ الإشارة إلى السمع قبل البصر في هذه السورة المباركة‏ ,‏ وفي العديد من السور القرآنية الأخرى‏ ,‏ والدراسات العلمية تؤكد سبق تكون حاسة السمع لحاسة البصر في أجنة الإنسان‏ ,‏ وفي أجنة غيره من المخلوقات‏.‏
‏(13)‏ التلميح إلى الإمساك بالطيور في جو السماء بقدرة الله البالغة‏ .‏
‏(14)‏ استخدام تعبير الحر بمفهومه النسبي يعني الحرارة والبرودة وهذا صحيح علميا‏ .‏
‏(15)‏ تحريم أكل كل من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به‏ ,‏ والبحوث العلمية أثبتت أخطار كل ذلك علي صحة الإنسان‏ .‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى معالجة خاصة بها‏ ,‏ ولذلك أقصر الحديث هنا علي النقطة الأخيرة من القائمة السابقة‏.

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
أولا‏‏ في تحريم أكل الميتة‏‏ :
إن موت الحيوان قبل تذكيته قد يكون بسبب مرض من الأمراض العضوية أو الفيروسية التي ألمت به‏ ,‏ أو بسبب شيخوخة أصابته‏ ,‏ وهذا سبب كاف لتحريم أكل لحمه‏ ,‏ فإذا أضفنا إلى ذلك ما يؤدي إليه الموت دون تذكية‏ (أي دون إراقة دمه‏)‏ إلى احتباس كل دمه في جسده اتضحت لنا حكمة تحريم أكل لحم الميتة وذلك لأن الدم هو حامل فضلات الجسم المختلفة من مثل ثاني أكسيد الكربون‏ ,‏ واليوريا‏ ,‏ وحمض البوريك‏ ,‏ وجراثيم الجسم وطفيلياته‏ ,‏ ونواتج عمليات تمثيل الطعام في جسم الحيوان‏ (عمليات الأيض‏)‏ والتي تنقل عبر الأوردة وتفرعاتها المختلفة‏ ,‏ أو عبر الشرايين وتفرعاتها العديدة في جسم الحيوان‏ ,‏ وأغلبها مواد قابلة للتعفن والتحلل إذا حبست في الجسد الميت للحيوان‏ ,‏ خاصة إذا كان قد انقضي علي موته وقت يسمح ببدء تحلل جسده وفساد لحمه‏ .‏ ومن هنا تتضح الحكمة الإلهية من تحريم أكل لحوم الميتة‏.‏

ثانيا‏‏ في تحريم أكل الدم المسفوح كطعام‏‏ :
الدم هو هذا السائل الأحمر القاني الذي يتكون من أخلاط عديدة منها الخلايا الحمراء الممتلئة بمادة الهيموجلوبين التي تقوم بنقل الأكسجين إلى مختلف خلايا الجسم‏ ,‏ والخلايا البيضاء التي تدافع عن الجسم ضد غزو حاملات الأمراض من الجراثيم والطفيليات‏ ,‏ والصفائح التي تتحطم حول نزيف الدم من أجل تجلطه‏ .‏ وتشكل خلايا الدم الحمراء نحو‏45%‏ من الحجم الكلي للدم‏(4‏ إلي‏6‏ ملايين خلية في كل ملليمتر مكعب‏) ,‏ ولا يشكل كل من خلايا الدم البيضاء وصفائحه أكثر من‏1% ,‏ وباقي الدم‏(54%)‏ يتكون من البلازما التي يغلب علي تركيبها الماء وبه نحو‏7%‏ من حجم الدم بروتينات‏ (من مثل الألبيومين‏ ,‏ والجلوبيولين‏ ,‏ والأجسام المضادة‏ ,‏ والبروتينات الناقلة‏ ,‏ والدهون‏ ,‏ وأيونات مختلفة للصوديوم‏ ,‏ والكالسيوم‏ ,‏ والبوتاسيوم‏ ,‏ والحديد‏ ,‏ والنحاس‏ ,‏ والكلور والبيكربونات‏ ,‏ وغيرها‏ ,‏ والفيتامينات‏ ,‏ والهرمونات‏ ,‏ والفضلات النيتروجينية التي تفرزها الخلايا مثل الأمونيا‏ ,‏ واليوريا‏ ,‏ وحمض اليوريك وهي سموم قاتلة يحملها الدم عادة إلى الكلي للتخلص منها إلى خارج الجسم عن طريق البول‏ .‏ هذا بالإضافة إلى العديد من الغازات الحرة والمذابة في بلازما الدم‏ ,‏ والفيروسات‏ ,‏ والجراثيم‏ ,‏ والطفيليات الحية والميتة‏ ,‏ وخلايا متكسرة من خلايا الدم ذاته‏ ,‏ وغير ذلك من الخلاصات المفيدة للأغذية والأكسجين التي يدفع بها القلب مرة أخري‏ ,‏ إلى مختلف خلايا الجسم‏ .‏ ومن ذلك يتضح أن الدم سائل ناقل للأمراض الخطيرة مثل مرض نقص المناعة وهو مرض قاتل لا علاج له ولا حيلة فيه وبالإضافة إلى الدم هناك سوائل الجهاز الليمفاوي الذي ينتشر بين الأوعية الدموية في أوردة خاصة به بتفرعاتها المختلفة وتفيض إلى الأوردة الدموية الكبيرة بالقرب من القلب‏.‏

﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (النحل115).
وبذلك تقوم هذه السوائل الليمفاوية بامتصاص البروتينات المتسربة من كل من الأوعية الدموية والأنسجة البينية‏ ,‏ وإعادتها إلى مجري الدم في الوقت المناسب لتساعد علي الاتزان الكيميائي في داخل جسد الكائن الحي وإلا هلك‏ .‏ ويعتبر ذلك من أهم وظائف الجهاز الليمفاوي‏ .‏ والسائل الليمفاوي يتكون أساسا من البلازما وبعض المواد المذابة فيها‏ ,‏ والعالقة بها من مثل الخلايا البيضاء‏ ,‏ والليمفاويات‏ (Lymphocytes)‏ التي تعتبر من أهم أجهزة الجسم الدفاعية ضد حاملات الأمراض‏ .‏ وبالإضافة إلى ذلك هناك العقد الليمفاوية‏ (LymphNodes)‏ وهي كتل من النسيج الليمفاوي توجد علي طول الأوعية الليمفاوية بتفرعاتها المختلفة‏ ,‏ كما توجد مستقلة عنها في كل من اللوزتين ‏(Tonsils) ,‏ وعقد البلعوم الليمفاوية‏ ,‏ والغدد الليمفاوية بالقناة الهضمية‏ ,‏ والغدد التوتية أو الزعترية (Thymus) ,‏ والطحال‏.‏
والوظيفة الأساسية للغدد الليمفاوية هي الدفاع عن الجسم وذلك لاحتوائها علي مجاميع كبيرة من الخلايا الليمفاوية‏ (الليمفاويات‏) ,‏ وتقوم هذه الخلايا المتجمعة علي هيئة الغدد بالعمل كمرشحات للغازات والسوائل التي تدخل الجسم تلتقط منها الملوثات من مثل ذرات الغبار والفيروسات والبكتريا وغيرها من حاملات الأمراض ويتم خزنها فيها حتى يتم إفراز الأجسام المضادة للقضاء عليها ‏ .‏
ومن العمليات التي يقوم بها الدم في الكبد نزع مجموعة الأمين‏(NH2)‏ من الأحماض الأمينية فينتج عن ذلك فضلات نيتروجينية كالتي سبق ذكرها يحملها دم الأوردة إلى الكلي للتخلص منها‏ .‏ كذلك تقوم الكلي وملحقاتها بتحقيق التوازن الكيميائي للجسم‏ ,‏ والتخلص من الفضلات الناتجة عن عمليات التمثيل الغذائي‏ ,‏ ويلعب الدم الدور الرئيسي في ذلك‏.‏
وانطلاقا مما سبق نري أن الدم المسفوح بمكوناته الأساسية‏ ,‏ وبما يحمله من نواتج عملية التمثيل الغذائي ومن عوادم وفضلات متجمعة فيه إذا حبس بداخل جسم الحيوان الميت‏ (أي الذي لم يذك‏)‏ فإنه سرعان ما يبدأ في التجلط علي ما فيه من سموم كانت في طريقها إلى الأجهزة المختلفة التي تخلص الجسم منها‏ ,‏ ثم في التحلل والتعفن مما ينتج كما من السموم المعقدة‏ ,‏ والمركبات الكيميائية الأخرى الضارة بصحة الإنسان‏;‏ فإذا أضفنا إلى ذلك أن الدم عادة ما يحمل كما آخر من الفيروسات والجراثيم والطفيليات‏ ,‏ وما تفرزه من سموم ونفايات علمنا أن الدم هو حامل فضلات الجسم وجراثيمه وطفيلياته‏ ,‏ ومن هنا كانت الحكمة الإلهية في تحريم أكل الدم المسفوح كغذاء‏ .‏ أما أكل كل من الكبد والطحال من الحيوان المذكي فهو حلال وذلك لقول رسول الله‏ (صلي الله عليه وسلم‏)‏ " أحل لنا ميتتان ودمان‏ ,‏ فأما الميتتان فالسمك والجراد‏ ,‏ وأما الدمان فالكبد والطحال "‏ (رواه كل من أحمد‏ ,‏ وابن ماجه‏ ,‏ والبيهقي عن ابن عمر مرفوعا‏).‏

ثالثا‏‏ في تحريم أكل لحم الخنزير وشحمه‏‏ :
الخنزير وصفه القرآن الكريم في أكثر من مقام بأنه رجس‏ , (البقرة‏173;‏ المائدة‏3;‏ الأنعام‏145;‏ والنحل‏115)‏ وهذه كلمة جامعة لكل معاني القذارة والقبح‏ ,‏ والنجاسة‏ ,‏ والإثم‏ ,‏ وذلك لأن الخنزير حيوان كسول‏ ,‏ جشع‏ ,‏ قذر‏ ,‏ رمام‏ ,‏ يأكل النبات والحيوان والجيف‏ ,‏ والقمامة‏ ,‏ كما يأكل فضلاته هو وفضلات غيره من الحيوانات‏ ,‏ وهذا من أسباب قيامه بدور كبير في نقل العديد من الأمراض الخطيرة للإنسان‏ .‏
والخنزير من الحيوانات الثديية السرية
‏(PlacentalMammals)‏ ذات الحافر المشقوق الذي يحمل عددا زوجيا من الأصابع‏ (أربعة أصابع في حالة الخنازير‏)‏ ولذلك تعرف باسم الحافريات زوجية الأصابع‏ .‏
‏(Even-ToedUngulates=Artiodactyla)‏ وهذه الحافريات زوجية الأصابع قد عمرت الأرض خلال الخمسين مليون سنة الماضية‏ (من بدايات عهد فجر الحياة الحديثة أو الإيوسين إلى اليوم‏) .‏
والخنازير تنفصل عن بقية هذه المجموعة بكونها رمامة وغير مجترة ‏ .‏
وتضم الخنازير عددا من الأنواع البرية والمستأنسة والتي تجمع كلها في عائلة واحدة تعرف باسم عائلة الخنازير ‏(Suidae) ,‏ ويسمي الذكر منها باسم العفر (‏Boar) ,‏ وتسمي الأنثى باسم الخنزيرة‏Sow‏ وهي من النوع الولود‏ ,‏ والخنزير المخصي يعرف باسم الحلوف ‏(Hog) ,‏ ويستعار اللفظ وصفا لكل قذر‏ ,‏ شره‏ ,‏ أناني من البشر‏ ,‏ وتستخدم لفظة‏Swine)‏) للتعبير عن الخنزير بصفة عامة سواء كان ذكرا أو أنثي‏ ,‏ مخصيا أو غير مخصي‏ ,‏ مستأنسا أو غير مستأنس وتستعار كذلك لكل حقير النفس‏ ,‏ بخيل اليد‏ ,‏ قذر المظهر والملبس‏ ,‏ متصف بأحقر الصفات‏ ,‏ أو للمرأة الساقطة المجردة من كل فضيلة ‏ .‏
والخنزير حيوان كريه المنظر‏ ,‏ ضخم الجثة‏ ,‏ كتلي الشكل‏ ,‏ مكتنز اللحم‏ ,‏ قصير الأرجل‏ ,‏ له جلد سميك‏ ,‏ عليه شعر خشن‏ ,‏ وله بوز طويل وأنياب قوية‏ ,‏ ‏ ويعرف منه اليوم أكثر من أربعمائة سلالة.‏
ونظرا لطبيعته الرمرامة‏ ,‏ وقذارته الواضحة‏ ,‏ وأكله كلا من النباتات واللحوم و الجيف والنفايات وغير ذلك من المستقذرات فإن الخنزير معرض للإصابة بالعديد من الأمراض من أمثال حمرة الخنازير(‏SwineErysipelas‏) التي تتسبب فيها أنواع خاصة من البكتريا وتنتقل إلى الإنسان‏ ,‏ وحمي الخنازير (‏SwineFever‏) وتعرف أحيانا باسم كوليرا الحلاليف ‏Hogcholera)‏) ويتسبب في هذا المرض فيروس خاص يوجد في الجيف‏ ,‏ ومن مثل مرض حويصلات الخنازير‏
(SwineVesicularDisease)‏ وهو يشبه مرض الحمى القلاعية‏FootandMouthDisease)‏) ويمكن انتقاله إلى الإنسان عن طريق أكل لحوم الخنزير ودهونه‏ ,‏ ومن مسبباته فيروسات القمامة والجيف‏ .‏ والجراثيم‏ (الفيروسات والبكتيريا وغيرها‏)‏ هذا بالإضافة إلى العديد من المواد المسببة للسرطان والعديد من الطفيليات والجراثيم التي تعشش في لحم الخنزير وبعضها يتسبب في أمراض معدية للإنسان وقاتلة له في كثير من الأحيان وذلك لعدم وجود طريقة للتخلص منها علي الإطلاق‏.‏

ومن أخطر مسببات الأمراض في الخنزير ما يلي‏‏:
‏(1)‏ ديدان التريخينا (‏(TrichinaWorms‏ وهي من الديدان الأسطوانية
(‏Nematoda=RoundWorns‏) من أمثال الدودة الشعرية الحلزونية‏Trichinellaspiralis)‏) وهي من أخطر الطفيليات علي الإنسان وتتسبب في أمراض روماتيزمية عديدة والتهابات عضلية مؤلمة تؤدي إلى انتفاخ الأنسجة العضلية وتصلبها وتعرف باسم داء الشعرينات (‏(Trichinellosis‏ الذي ينتج عن انتشار يرقات هذه الدودة في عضلات الجسم مما قد يؤدي إلى إقعاد المريض إقعادا كاملا أو إلى وفاته بعد أن يصاب بالتهاب المخ والنخاع الشوكي والسحايا المحيطة بهما وبالعديد من الأمراض العصبية والعقلية المترتبة علي ذلك ويصاب حاليا بهذا المرض نحو‏47‏ مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها‏ ,‏ ونسبة الوفاة بين المصابين به تبلغ نحو‏3% ,‏ والخنزير هو المصدر الوحيد لإصابة الإنسان بهذا المرض الخطير‏ .‏
‏(2)‏ الدودة الشريطية الوحيدة للخنزير‏PorkTapeWorm=TaeniaSolium)‏) وتتسبب في العديد من الأمراض للإنسان من مثل فقر الدم واضطرابات الجهاز الهضمي‏ ,‏ والمغص والإسهال والقيء‏ ,‏ والاكتئاب الشديد‏ ,‏ والسوداوية‏ ,‏ وقد يصل ذلك إلى النوبات الصرعية والتشنجات العصبية الشديدة‏ ,‏ وأخطر ما في هذه الدودة هو دخول يرقاتها إلى مجري الدم الذي قد يحملها إلى أحد الأعضاء الحيوية في الجسم من مثل المخ‏ ,‏ القلب‏ ,‏ الكبد‏ ,‏ الرئتين أو الحبل العصبي المركزي حيث تنمو وتتحوصل محدثة ضغوطا كبيرة علي الأنظمة من حولها ومسببة عددا من الأمراض الخطيرة التي تنتهي بوفاة المريض بعد معاناة طويلة‏.‏
‏(3)‏ الديدان الحلقية (‏RoundWorms‏) من مثل دودة الأسكارس ‏Ascaris)) والديدان الخطافية HookWorms)‏ (الديدان المنشقة اليابانية ‏ . (Schistosomajaponicum‏) والتي تؤدي إلى نزيف دموي حاد‏ ,‏ يعقبه فقر دم‏ ,‏ وإذا وصلت بويضاتها إلى أي من المخ أو العمود الفقري فإنها تسبب شللا كاملا ثم الوفاة‏ .‏ وغير ذلك من سلسلة طويلة من الديدان والجراثيم والبكتيريا التي تدمر جسد الإنسان تدميرا كاملا منها التهاب القصبة الهوائية‏ ,‏ والسل‏ ,‏ والكوليرا‏ ,‏ والتيفوئيد‏ ,‏ ونزيف الرئتين‏ ,‏ وتضخم الكبد‏ ,‏ وتعفن الأقدام‏ ,‏ وداء البروسيللات (‏Brucellosis) والحمرة(‏Erysipelas‏) والأمراض الثلاثة الأخيرة تنقلها بكتيريا الجيف والقاذورات التي تتغذي عليها الخنازير ‏ .‏
‏(4)‏ الحيوان الأولي الهدبي المعروف باسم القربية القولونية (‏Balantidiumcoli‏) الذي يسبب مرض الزحار الشديد وبعض أمراض عضلة القلب ومصدره الوحيد للإنسان هو الخنزير‏ ,‏ وهو مرض معدي ينتشر بين كل من له علاقة بتربية الخنزير أو ذبحه وسلخه ‏ .‏
‏(5)‏ الديدان المفلطحة‏ (المثقوبيات أو الوشائع‏)‏ ومنها ما يصيب الأمعاء‏ ,‏ أو المعدة‏ ,‏ أو الرئة‏ ,‏ أو الكبد‏ ,‏ ويعمل الخنزير علي نشر هذه الديدان في البيئة وعلي نقلها لمن يأكل لحمه من بني الإنسان‏ .‏
هذا بالإضافة إلى أن لحم الخنزير صعب الهضم لاحتوائه علي نسبة أعلي من الدهون من لحم أي حيوان آخر‏ ,‏ وكذلك فإن دهن الخنزير عالي التشبع بدرجة تفوق درجة تشبع أي دهن حيواني آخر‏ ,‏ ولذلك يصاب آكلوه بأمراض حصى المرارة‏ ,‏ وانسداد قنواتها وبتصلب الشرايين وبالعديد غيرها من أمراض القلب والدورة الدموية‏ .‏ ومعظم الفقهاء يعتبر لفظة لحم الخنزير شاملة كلا من لحمه ودهنه ‏ .‏
ودهون الخنزير عالية التشبع لا تقوى عصارة البنكرياس في الإنسان على تحويلها إلى مستحلبات دهنية قابلة للامتصاص ولذلك فهي تبقي علي حالتها وتترسب في جسم الإنسان علي هيئتها الخنزيرية الضارة ضررا بليغا بجسم الإنسان ‏ .‏
ولحم الخنزير يفسد بسرعة عن أي لحم آخر‏ ,‏ وله رائحة كريهة‏ ,‏ ومن عجائب وساوس الشيطان أنه لم يكتف بإغراء غير المسلمين بأكل لحم الخنزير علي دنسه‏ ,‏ وامتلائه بمسببات الأمراض‏ ,‏ بل أغراهم بأكل دمه ودهنه فيما يعرف باسم النقانق السوداء (‏BlackSausages‏) وهي عبارة عن أمعاء الخنزير المملوءة بدمه ودهنه حتى تجمع بين أكثر من محرم واحد‏ .‏ وقد ثبت أن لحم الخنزير يحتوي العديد من المواد المسرطنة ‏ وأن كثيرا من المواد الحافظة للحم الخنزير والملونة له والمعطية النكهات الخاصة له مثل المركبات النيتروجينية (‏NitritesandNitrates‏) والبنزولية (‏Benzol‏) تتحول في أبدان آكلي هذا اللحم النجس إلى مركبات معقدة تعتبر من أشد العوامل المسرطنة المعروفة‏ ,‏ وعلي ذلك فقد ثبت أن كلا من لحم الخنزير ودهنه ودمه يساعد علي انتشار أنواع عديدة من الأمراض السرطانية من مثل سرطان كل من القولون‏ ,‏ والمستقيم‏ ,‏ والبروتستات والبنكرياس والمرارة‏ ,‏والرحم‏ ,‏ والثدي‏ ,‏ وإلى العديد من أمراض الحساسية المختلفة‏ ,‏ وقرح الجهاز الهضمي‏ ,‏ وقرح الساق المزمنة‏ ,‏ والتهاب كل من الزائدة الدودية والمرارة‏ ,‏ وتليف الكبد‏ ,‏ والتهاب كل من الدماغ
وعضلة القلب‏ ,‏ وأغلب ذلك من الأمراض الفيروسية التي يلعب الخنزير دورا رئيسيا في نقلها للإنسان‏ .‏
أما أهم الأمراض البكتيرية التي ينقلها الخنزير إلى الإنسان فتشمل الحمى المالطية‏ ,‏ السالمونيللا‏ ,‏ الجمرة الخبيثة‏ ,‏ الدرن‏ ,‏ الدرن الكاذب‏ ,‏ والدوسنتاريا‏ (الزحار‏) .‏
وأغلب هذه الفيروسات‏ ,‏ والبكتيريا‏ ,‏ والطفيليات التي تتكدس في جسم الخنزير لا يمكن القضاء عليها بمجرد طهو لحمه أو إدخاله في النار‏ .‏

رابعا‏‏: في تحريم أكل ما أهل لغير الله به:‏‏
كان أهل الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى أصنامهم سموا عليها أسماءها‏ ,‏ ورفعوا بها أصواتهم‏ ,‏ وسمي ذلك إهلالا‏ ,‏ ثم توسع في الإهلال فقيل لكل ذابح‏‏ مهل سواء أهل به أو لم يهل‏ ,‏ وسمي أو لم يسم‏ ,‏ جهر بالتسمية أو لم يجهر‏ ,‏ لأن الأصل في الإهلال هو رفع الصوت عند رؤية الهلال‏ ,‏ ثم استعمل لرفع الصوت عند فجائية ظهور أي شيء ثم أصبح مطلقا وعلي ذلك فإن المفهوم من قول الحق‏ (تبارك وتعالى‏)". . .‏ وما أهل لغير الله به‏ . . ." أي ما ذبح لغير الله‏.‏
وقد أكد ربنا‏ (تبارك وتعالى‏)‏ في الآية الكريمة التي نحن بصددها وفي أماكن أخري من القرآن الكريم أهمية ذكر اسم الله علي كل ذبيحة من ذبائح المسلمين وذلك من مثل قوله‏ (تعالى‏)‏
‏(1) " وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ " (المائدة‏4) .‏
‏(2)‏ " فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ . وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ " (الأنعام‏119,118) .‏
‏(3) ‏" وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ " (الحج‏36) .‏
وفي بحث مختبري منهجي أثبت عشرون من كبار علماء الطب والطب البيطري والصيدلة والعلوم في الجامعات السورية أن التسمية والتكبير عند ذبح الحيوان تعمل عملية تعقيم كامل لبدنه وتطهره من الدماء والجراثيم‏ ,‏ بعكس الذبائح التي لا يذكر اسم الله عليها‏.‏
وفي ذلك ذكر الأخ الكريم الدكتور خالد حلاوة المتحدث باسم فريق البحث أن التجارب المختبرية المكررة علي مدي ثلاث سنوات أثبتت مجهريا أن نسيج اللحم المذبوح بدون تسمية وتكبير كان محتقنا بشيء من بقايا الدم المسفوح‏ ,‏ ومصابا بمستعمرات عدد من الجراثيم‏ (من مثل المكورات العنقودية والعقدية والعصيان القولونية‏ ,‏ وغيرها‏) ,‏ بينما جاء اللحم المسمي عليه‏ (باسم الله‏ ,‏ الله أكبر‏)‏ زكيا طاهرا‏ ,‏ خاليا تماما من الدماء والجراثيم ‏ .‏ وفسر ذلك الأخ الكريم الدكتور فؤاد نعمة الأستاذ بكلية الطب البيطري بجامعة دمشق بأنه لوحظ شدة اختلاج أعضاء وعضلات الحيوان الذي يذكر عليه اسم الله عند ذبحه‏ ,‏ وأن شدة الاختلاج هذه هي التي تقوم باعتصار معظم دم الذبيحة‏ ,‏ وبذلك تطهر وتزكو بينما لا يحدث ذلك في حالات عدم التسمية والتكبير‏ ,‏ وإن كانت التذكية بمعني إراقة الدم المسفوح تخلص بدن الحيوان من معظم هذا السائل القابل للتعفن ومن معظم ما به من جراثيم ‏ .‏ وقد فصل الأخ الكريم الدكتور نبيل الشريف العميد السابق لكلية الصيدلة بجامعة دمشق الخطوات المنهجية للبحث حتى توصل إلى هذه النتيجة التي تفوق كل وصف‏.‏

من هذا الاستعراض الموجز يتضح لنا بجلاء حكمة تحريم أكل كل من الميتة‏ ,‏ والدم‏ ,‏ ولحم الخنزير‏ ,‏ وما أهل لغير الله به‏ ,‏ ولو لم يرد في القرآن الكريم غير هذه الحقيقة العلمية لكانت كافية للشهادة على أن القرآن المجيد هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله‏ ,‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏ (اللغة العربية‏)‏ حفظا كاملا‏‏ كلمة كلمة‏ ,‏ وحرفا حرفا‏ ,‏ على مدى أربعة عشر قرنا أو يزيد‏ ,‏ وإلى أن يرث الله‏ (تعالى‏)‏ الأرض ومن عليها وأن النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقى القرآن المبين كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض‏ ,‏ فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه‏ ,‏ و من اتبع هداه‏ ,‏ ودعا بدعوته إلى يوم الدين ‏ .‏ وسبحان الله القائل " ‏‏وَمَا كَانَ هَذَا القُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العَالَمِينَآ . أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَآ . بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ " (يونس‏37‏- ‏39)‏.