قد أسلفنا أن نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في بني النجار كان يوم الجمعة [12 ربيع الأول سنة 1 هـ/ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م]، وأنه نزل في أرض أمام دار أبي أيوب، وقال: [هاهنا المنزل إن شاء الله]، ثم انتقل إلى بيت أبي أيوب رضي الله عنه
بناء المسجد النبوي
وأول خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك هو بناء المسجد النبوي، واختار له المكان الذي بركت فيه ناقته صلى الله عليه وسلم، فاشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وأسهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اللبِن والحجارة ويقول:
[اللهم لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة ** فاغْفِرْ للأنصار والمُهَاجِرَة]
وكان يقول:
[هذا الحِمَالُ لا حِمَال خَيْبَر ** هــذا أبـَــرُّ رَبَّنَا وأطْـهَر]
وكان ذلك مما يزيد نشاط الصحابة في العمل، حتى إن أحدهم
معاهدة مع اليهود
بعد أن أرسى رسول الله صلى الله وعليه وسلم قواعد مجتمع جديد وأمة إسلامية حديدة، بإقامة الوحدة العقدية والسياسية والنظامية بين المسلمين، بدأ بتنظيم علاقاته بغير المسلمين، وكان قصده بذلك توفير الأمن والسلام والسعادة الخير للبشرية جمعاء، مع تنظيم المنطقة في وفاق واحد، فسن في ذلك قوانين السماح والتجاوز التي لم تعهد في ذلك العالم الملئ بالتعصب والأغراض الفردية والعرقية.
وأقرب من كان يجاور المدينة من غير المسلمين هم اليهود - كما أسلفنا - وهم وإن كانوا يبطنون العداوة للمسلمين، لكن لم
الكفاح الدامي
استفزازات قريش واتصالهم بعبد الله بن أبي
تقدم ما أدلى به كفار مكة من التنكيلات والويلات على المسلمين في مكة، ثم ما أتوا به من الجرائم التي استحقوا لأجلها المصادرة والقتال، عند الهجرة، ثم إنهم لم يفيقوا من غيهم ولا امتنعوا عن عدوانهم بعدها، بل زادهم غيظاً أن فاتهم المسلمون ووجدوا مأمناً ومقراً بالمدنية، فكتبوا إلى عبد الله بن أبي سلول- وكان إذ ذاك مشركاً - بصفته رئيس الأنصار قبل الهجرة - فمعلوا أنهم كانوا قد اتفقوا عليه، وكادوا يجعلونه ملكاً على أنفسهم لولا أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم
الغزوات والسيرايا قبل بدر
ولتنفيذ هاتين الخطتين بدأ بالتحركات العسكرية فعلاً بعد نزول الإذن بالقتال وكانت أشبه بالدوريات الاستطلاعية، وكان المطلوب منها كما أشرنا:
الاستكشاف والتعرف على الطرق المحيطة بالمدينة، والمسالك المؤدية إلى مكة.
عقد المعاهدات مع القبائل التي مساكنها على هذه الطرق.
إشعار مشركي يثرب ويهودها وأعراب البادية الضاربين حولها بأن المسلمين أقوياء وأنهم تخلصوا من ضعفهم القديم.
إنذار قريش عُقبَى طيشها، حتى تفيق عن غَيها الذي لا يزال يتوغل في أعماقها، وعلها تشعر بتفاقم الخطر على