مقدمة:
لم تترك الحركة الصهيونية شيئا الا وادخلت عليه التزوير والتحريف، فمن المعطى الجغرافي الاول الذي قامت عليه "اسرائيل"، وادعت ان فلسطين ارض بلا شعب، إلى تزوير التاريخ والعقائد والثقافات، وبالتأكيد الاديان ايضا.
في هذه الدراسة، اطلالة واسعة على مراحل التزوير والتحريف التي قطعها اليهود عبر الزمن، وحيث شكل تحريف التوراة اولى معالم التزوير وبصورة لا يتحول بها الدين او الشريعة إلى خدمة الاهداف الخاصة للجماعة اليهودية.
بعد ذلك ياتي موضوع مصادرة الثقافات، وحيث لم تترك الحركة الصهيونية عنصرا ثقافيا في هذا الشرق، الا ونسبته لنفسها.
وبعد الثقافات، ياتي التحريف والتزوير السياسي، وبصورة، تسعى فيها الحركة الصهيونية إلى قلب الحقائق واعطاء مفاهيم مختلفة للاحداث، ودائما لأجل خدمة اهدافها واستمرارها حليفة للقوى الدولية الكبرى.
اولا: تزوير التوراة:
لقد اصبح من الثابت، تاريخيا، ان ما يسمى بالتوراة، وهي الاسفار الخمسة الاولى من العهد القديم (التكوين، والخروج، والاحبار، والعدد، وتثنية الاشتراع، وهي ما يسمى بكتب الشريعة) ليست هي تلك التي انزلت على موسى نبي الله، على جبل سيناء، في القرن التاسع عشر ق.م فقد روى العهد القديم، ذاته ان موسى (ع) تلقى اوامر ربه ووصاياه، وعلى ذلك الجبل، في لوحين (هما لوحا الشريعة او الشهادة) ووضعهما في "تابوت العهد" بحراسة اللاويين (وهما حراس التابوت وخيمة الموعد) وسار بذلك (التابوت والخيمة) عبر سيناء، إلى ما زعم بانها " ارض الميعاد" وذلك عبر مسيرة طويلة استمرت اربعين عاما (هي فترة التيه في سيناء) حيث هلك جيل موسى (ع) (او جيل الخروج) باكمله، ومات موسى ودفن على جبل (نبو) قبالة "ارض الميعاد" شرق نهر الاردن الذي اجتازه يشوع، بعد ذلك، على راس قومه، نحو ارض فلسطين، وكما لقي موسى وقومه، في سيناء مقاومة عنيفة من سكانها "العمالقة" لقي يشوع كذلك مقاومة عنيفة من سكان فلسطين وقد ورد ذكرهم، في العهد القديم، سبعة شعوب هم "الحثيون والجرجاشيون والاموريون والكنعانيون والفرزيون والحوريون واليبوسيون" بالاضافة إلى الفلسطينيين. وقد قاتل هؤلاء يشوع ومن بعده من حكام العبرانيين وقادتهم (الذين عرفوا بالقضاة ثم بالملوك) وتبادل العبرانيون مع هذه الشعوب، النصر والهزيمة في معارك عديدة فصلتها العهد القديم، وكان "تابوت العهد" المحروس "باللاويين" والذي يضم "لوحي الشريعة" حاضرا في "خيمة الموعد" معهم.
ولكن "تابوت العهد" هذا اضاعه العبرانيون في احدى حروبهم مع الفلسطينيين، في عهد صموئيل، حيث انتزعه الفلسطينيون منهم واخذوه الى "اشدود" ووضعوه في معبد الههم " داجون" بالقرب منه، وظل "تابوت العهد" مع الفلسطينيين سبعة اشهر (العهد القديم، 1 صم 1:6) ثم اعادوه، بعد ذلك، إلى العبرانيين الذين وضعوه في قرية "يعاريم" وكانوا قد انصرفوا عنه إلى عبادة "البعليم والعشتاروت"، إلى ان اعادهم صموئيل إلى عبادة "الرب وحده" كما جاء في العهد القديم نفسه (1 صم1:7ـ4).
كان الفلسطينيون قوما شديدي البأس، تمرسوا في الحروب وصناعة السلاح، وهي صناعة تفوقوا فيها على جميع شعوب المنطقة، بمن فيهم العبرانيون، وقد انشأ الفلسطينيون مدنا محضة على الساحل الفلسطيني هي : غزة وعسقلان وجت واشدود وعقرون، كما انتشروا في داخل فلسطين. وكانوا قد وصلوا إلى فلسطين (وهي بقعة من ارض كنعان سميت فيما بعد باسمهم) من جزء بحر ايجه، منذ زمن بعيد سابق على الزمن الذي وصل فيه العبرانيون ارض كنعان حتى استشعر الفلسطينيون فيهم، كما استشعر سواهم من شعوب هذه المنطقة، نزعة الكراهية والعداء لكل ما هو غير عبراني، وادركوا المطامع التوسعية لهؤلاء القوم في بلادهم، او لم يقل رب بني "اسرائيل" لشعبه انه سوف يطرد من امامهم "الحيثيين والجرجاشيين والاموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، سبع امم اكثر واقوى منك "وانه سوف يسلمه هذه الامم ليضربهم" ويحرمهم تحريما" (أي يقتلهم تقتيلا) (العهد القديم، تث 1:7ـ6) ثم او لم يقل رب العبرانيين لشعبه انه سوف يعطيه، بلا وجه حق طبعا، "مدنا عظيمة حسنة لم نبنها، وبيوتا مملوءة كل خير لم تملأوها، وآبارا محفورة لم تحفرها، وكروما وزيتونا لم تغرسها" (تث : 11:6) تماما كما فعل بالفلسطينيين، اهل فلسطين ومالكي ارضها، بعد اكثر من اثنين وعشرين قرنا؟
اوليس من المحتمل، بل من المفترض، ان يكون الفلسطينيون الذين استولوا على "تابوت العهد" وفيه "لوحا الشريعة" الموسوية (كما يزعمون) قد عبثوا بهذه الوثائق المقدسة واتلفوها، باعتبارها الذريعة التي يتذرع بها العبرانيون لاغتصاب ارضهم وبلادهم؟
ان العهد القديم قد اهمل، وربما عن قصد، الاشارة إلى ما جرى للوحي الشريعة بعد ان استولى الفلسطينيون على "تابوت العهد" خصوصا ان العهد القديم، نفسه يشير إلى ان اولئك العبرانيين كانوا قد انصرفوا عن عبادة الههم، اله موسى، لعبادة آلهة اخرى "البعليم والعشتاروت" وظلوا كذلك إلى ان ردهم صموئيل إلى عبادة "الرب الاوحد".
ولم يكن خطر الفلسطينيين هو الوحيد الذي احاق "بتابوت العهد" والالواح التي حفظت شريعة موسى، فقد احاق بها خطر آخر على يدي القائد الكلداني (نبوخذ نصر) الذي سبى العبرانيين إلى بابل، في النصف الثاني من القرن السادس ق.م، بعد ان دمر يبوس (ارشيلم) واحرق "بيت الرب وبيت الملك وجميع بيوت اورشليم" وكل بيوت العظماء فيها، كما هدم اسوارها واجلى "سائر الشعب الذي بقي في المدينة" وكذلك "الذين نجوا من السيف" فقد اجلاهم نبوخذ نصر إلى بابل "حيث صاروا عبيدا له ولبنيه". كما حطم جند بابل "اعمدة النحاس التي في بيت الرب، والقواعد، وبحر النحاس الذي في بيت الرب، وحملوا نحاسها إلى بابل"، كما اخذوا "القدور والمجارف والمقاريض والقصاع وجميع ادوات وخزائن الملك ورؤسائه، اخذها، باسرها، إلى بابل"، كل ذلك وفقا لما جاء في العهد القديم نفسه (2 اخبار 18:36، و20، 2 ملوك 8:25 و 9 و11ـ14) دون ان ياتي على أي ذكر لما حدث لتابوت العهد والواح الشريعة، وماذا كان مصيرها.
فهل يحتمل، بل يفترض، بعد كل الذي جرى لاورشليم واهلها، وزعمائها وبيت الرب فيها، على يد نبوخذ نصر وجنده، ان يكون "تابوت العهد" ووثائقه "الربانية المقدسة" قد نجت من أي ضرر؟
لقد سردنا هذه المرويات، من التوراة، لكي نصل إلى حقيقة مفادها ان ليس معقولا، ولا منطقيا، القول ان "تابوت العهد" بما تضمن من وصايا الرب واوامره إلى موسى، كما وردت في لوحي الشريعة، ظل مقفلا على تلك الوصايا (او الالواح) طوال هذه الفترة المشحونة بالحروب (والتي امتدت نحو سبعة قرون)، دون ان يمسها سوء او يلحق بها ضرر، رغم ما شهد "بيت الرب" في اورشليم من دمار، ورغم ما لحق باورشليم وشعبها وقادتها وعظمائها من سبي وتنكيل.
ولا بد في هذا المجال، من الاستطراد والقول ان الباحثين والمؤرخين القدامى والمحدثين، يكادون ان يجمعوا على ان "التوراة" التي بين ايدينا ليست تلك التي انزلت على موسى، فهذه قد اتلفت، او ضاعت، ولم يعثر لها على اثر، وان التي بين ايدينا قد وضعها (والاصح اختلقها) احبار العبرانيين خلال فترة سبيهم إلى بابل، في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ق.م، أي بعد نحو سبعة قرون من بعث موسى(ع) وتلقيه وصايا الرب على جبل سيناء، ولاجل ذلك، نرى ان اسفار التوراة (بل وكامل اسفار العهد القديم التي وضعت فيما بعد) قد تميزت بالعنف والحقد والكراهية ضد باقي بني البشر (من غير العبرانيين) كما تميز اله العبرانيين فيها بانه "الاله المرعب Le Grand Dieu" وليس "الاله الحكيم" Le Bon Dieu الذي هو اله المسيحيين، ولا "الاله العظيم" Le Grand Dieu الذي هو اله المسلمين.
حتى ان وجود العبرانيين في مصر، اصلا، وخروجهم منها، كما جاء في سفر: "الخروج" من التوراة التي بين ايدينا، هما اليوم موضوع شك لدى العديد من الباحثين والمؤرخين، وكما يبدو من الحفريات والكتابات الاثرية الفرعونية التي ارخت تلك العهود.
ونورد فيما يلي، شهادات دامغة على حقيقة تزوير التوراة، وتشمل هذه الشهادات، ليس التوراة، فحسب بل اسفار العهد القديم كلها، باعتبار ان وضع هذه الاسفار امتد على نحو عشرة قرون (منذ ايام السبي إلى بابل في النصف الثاني من القرن السادس ق.م. حتى نهاية العهد المكابي الاول، في النصف الاول من القرن الثاني ق.م):
1ـ القرآن الكريم : وردت في القرآن الكريم آيات عديدة تؤكد تحريف اليهود للتوراة :
( يا ايها الرسول لا يحزنك الذين يسارعن في الكفر من الذين قالوا آمنا بافواههم، ولم تؤمن قلوبهم، ومن الذين هادوا، سماعون للكذب سماعون لقوم اخرين لم يأتوك، يحرفون الكلم من بعد مواضعه ...) (المائدة 5/41) وجاء في اسباب نزول هذه الاية ان رسول الله (ص) مر بيهودي مجلوداً فسأل بعض اليهود اهكذا تجدون حد الزنى في كتابكم؟ فقالوا : نعم، فسأل السؤال نفسه رجلاً من علمائهم بعد ان ناشده الله " الذي انزل التوراة على موسى ( ع ) فقال الرجل : لا ، ولولا انك نشدتني لم اخبرك. نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في اشرافنا، فكنا اذا اخذنا الوضيع اقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم" فنزلت الاية.
وقد تكرر هذا القول الكريم في اية اخرى حيث جاء : ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ويقولون سمعنا وعصينا، واسمع غير مسمع وارعنا، لياً بألسنتهم وطعنا في الدين…) (النساء 4/64) وجاء في اسباب النزول للسيوطي (على هامش القران الكريم) ان اليهود كانوا يحرفون الكلام الذي انزل في التوراة من نعت النبي محمد (ص) ويقولون للنبي اذا امرهم بشيء "سمعنا قولك وعصينا امرك، كما يقولون له "راعنا" وهي " كلمة سب بلغتهم " وكان الرسول الكريم " قد نهى عن خطابه بها ". ثم انهم كانوا يلوون بألسنتهم عند قراءتهم للتوراة فيحرفون كلماته ويغيرون معانيها. ويذكر المؤرخ ( كمال الصليبي ) ان فئة من احبار اليهود تدعى "المصوريتين" أي "اهل التقليد" هي التي كانت تقوم بهذا العمل بدءاً من القرن السادس حتى القرن العاشر الميلادي، وقد قام هؤلاء بتحريف النصوص التوراتية عن طريق ادخال الحركات والضوابط عليها بصورة اعتباطية…مما غير اعراب الجمل وحور المعاني". وقد رفض فريق آخر من احبار اليهود يدعى "الربانيين" عمل "المصوريتين" هذا، الا انه قبل به فيما بعد "واصبح النص التوراتي المصوريتي المضبوط من التوارة هو النص المعتمد من اليهود"، كما قبل المسيحيون ايضاً واعتمدوا في ترجماتهم للعهد القديم، مع ان "علماء التوراة اليوم" بمن فيهم علماء اليهود، يعرفون تماماً ان ضبط المصوريتين للتوراة لم يكن صحيحاً في مواقع كثيرة"، وان "محاولات التصحيح" التي اجراها علماء التوراة لم تفلح حتى اليوم، باعادة تكوين التوراة تكوينا صحيحاً، وذلك لان التحريف الذي جرى على النص التوراتي " اضخم بكثير مما يتصوره علماء التوراة " (2) هذا ما يراه "الصليبي" من تحريف اليهود للتوراة، ولكن ما ورد في نصوص القرآن الكريم يؤكد ان التحريف قد تجاوز حدود " لي الالسنة" و "ادخال الحركات والضوابط" إلى تغيير متعمد في الكلمات والعبارات، إلى حد "اخفاء" كثير منها واستبدالها بسواها، كما سيتبين لنا فيما سنستعرضه من آيات كريمة.
وقال تعالى : ( وما قدروا الله حق قدره، اذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء، قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ) (الانعام 6/91). وجاء في اسباب نزول هذه الاية ان اليهود سألوا رسول الله (ص): "يا محمد، أأنزل الله عليك كتابا؟ قال : نعم، قالوا: والله ما انزل من السماء كتابا" فأنزل الله تعالى هذه الاية (3) . وورد في تفسير الجلالين ان اليهود كتبوا التوراة على قراطيس (أي في دفاتر مقطعة) لكي يخفوا ما يريدون اخفاؤه منها، مثل نعت النبي محمد (ص).
وقال تعالى : ( افتطمعون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) (البقرة2/75) وقد نزلت الاية في احبار اليهود الذين كانوا "يسمعون كلام الله في التوراة ثم يحرفونه" أي يغيرونه (4). وجاء في اسباب نزولها انها نزلت في السبعين رجلا، الذين اختارهم موسى (عليه السلام) "ليذهبوا معه إلى الله"، فلما عادوا ادى الصادقون منهم ما سمعوا من كلام الله، واما الاخرون فقالوا: "سمعنا الله، من لفظ كلامه، يقول: ان استطعتم ان تفعلوا هذه الاشياء فافعلوا، وان شئتم فلا تفعلوا ولا بأس". الا ان اكثر المفسرين يرون ان هذه الاية نزلت في اليهود الذين غيروا اية الرجم وصفة محمد (ص) (5).
وقال تعالى: ( فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون ) (البقرة 2/79) وجاء في اسباب نزول هذه الاية انها نزلت في احبار اليهود الذين غيروا من صفات النبي (ص) كما وردت في التوراة، فقالوا ان التوراة وصفته "طويل ازرق سبط الشعر" بينما ذكرت التوراة انه "اكحل اعين، ربعة، جعد الشعر، حسن الوجه" وقد قام احبار اليهود بهذا التحريف في التوراة كي ينفوا صفة النبوة عن محمد(ص) (6).
وقال تعالى : ( يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ) (المائدة 5/13).
وجاء في تفسير هذه الاية للجلالين انها تعني اليهود الذين حرفوا نعت النبي محمد (ص) في التوراة وغيروه، كما انهم نسوا ما امروا به في التوراة من اتباع النبي محمد (ص). (7)
وقال تعالى : ( يا اهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون ) (آل عمران 3/71) وجاء في تفسير هذه الاية للجلالين انها نزلت في اليهود الذين كانوا يخفون صفات النبي (ص) كما وردت في التوراة وهم يعلمون ذلك ويعلمون انها حق.
وقال تعالى : ( يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) (المائدة 5/15). وجاء في اسباب نزول هذه الاية انها نزلت في اليهود وكانوا قد اتوا إلى النبي (ص) يسألونه عن الرجم، فسأل عن اعلمهم فدلوه على ابن صوريا، فناشده "بالذي انزل التوراة على موسى والذي رفع الطور والمواثيق التي اخذت عليهم" فقال له ابن صوريا انه "لما كثر الزنى فينا، جلدنا مئة وحلقنا الرؤوس" (8) مخفيا، بذلك الحكم الحقيقي للزنى، كما ورد في التوراة، فحكم الرسول عليه بالرجم ونزلت الاية.
وقوله تعالى: ( وان منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وماهو الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) (آل عمران 3/78). وجاء في تفسير هذه الاية، للجلالين، انها نزلت في اليهود، وخصوصا "كعب بن الاشرف"، حيث كانوا يلوون السنتهم عند قراءتهم للتوراة كي لا يفهم كلامهم ويحرفون، بقراءاتهم ما يريدون تحريفه منه، وخصوصا صفات النبي (ص)، فتحسبهم يقرؤون الكتاب الذي انزله الله وهم لا يقرؤون، ويقولن هذا من عند الله، وهم كاذبون.
وقوله تعالى : ( ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم ) (آل عمران 3/77). وجاء في اسباب نزول هذه الاية انها نزلت في اليهود الذين اغراهم كعب بن الاشرف بالمال كي يشهدوا ان صفات النبي ليست هي التي وردت في التوراة قائلين انهم وجدوا النعت الوارد في كتابهم مخالفا لنعت محمد (ص)، فنزلت بهم الاية (9). وذكر السيوطي انها نزلت في "حي بن اخطب وكعب بن الاشرف وغيرهما من اليهود الذين كتموا ما انزل الله في التوراة وبدلوه وحلفوا انه من عند الله". (10)
ويجمع المفسرون المسلمون على تأكيد وقوع التحريف في التوراة، الا انهم يختلفون في معنى هذا التحريف ومداه، فمنهم من يرى ان التحريف والتبديل تما في التأويل لا في النص، ومن هؤلاء البخاري وابن كثير. ومنهم من يرى ان التحريف والتبديل قد اصاب "جملا قليلة والفاظا يسيرة"، ولكن اكثر ظل كما انزل على موسى (عليه السلام). واخرون يرون ان معظم التوراة التي انزلت على موسى قد حرف وبدل بشكل اساسي بحيث لم يبق منها الا النزر اليسير، ومن هؤلاء ابن حزم الاندلسي والامام الغزالي، والامام الشافعي، وابن قيم الجوزية، وابن تيمية وغيرهم (11) . ويرى بعض العلماء ان التحريف قد تم، في معظمه، بالتبديل او الزيادة او النقصان، او بتغيير المعنى (في التفسير) دون تغيير اللفظ (12)، مما ادى إلى ضياع التوراة الاصلية، اذ طغى عليها التحريف والتبديل لفظا ومضمونا ومعنى، وخضعت للكثير من اهواء النساخ والمؤلفين واذواقهم ومآربهم وميولهم. ويكفي ان نذكر ما طرا على آخر اسفار التوراة (تثنية الاشتراع) من زيادة وتعديل، حتى ندرك جسامة هذا التحريف ومداه، فنحن نقرأ فيه تفاصيل عن وفاة موسى، وما كان لموسى ان يتحدث عن تفاصيل وفاته، كما نرى في اسفار التوراة كلها، ان الحديث يجري على لسان موسى (وكلم الرب موسى، وقال الرب لموسى، وتقدم إلى موسى، وخرج موسى، وبركات موسى، ونشيد موسى،الخ…) وليس بلسان موسى نفسه، مما يؤكد ان موسي ليس هو المتكلم، وبالتالي ليس هو واضع هذه الاسفار.
2ـ محققو العهد القديم:
يعرف محققو "العهد القديم" في ما سمي "بمدخل إلى الكتاب المقدس" والذي نقلته "الرهبانية اليسوعية من الترجمة المسكونية الفرنسية للكتاب المقدس"، (13) هذا الكتاب (العهد القديم) بانه "مجموعة كتب مختلفة جدا" يمتد زمن وضعها " على اكثر من عشر قرون، وتنسب إلى عشرات المؤلفين المختلفين"، وقد وضع "بعضها بالعبرية، مع بعض المقاطع بالآرامية، وبعضها الاخر باليونانية، وتشتمل على مختلف الفنون الادبية "كالرواية التاريخية ومجموعة القوانين والوعظ والصلاة والقصيدة الشعرية والرسالة والقصة" (14) . اما واضعوه فهم عبارة عن "اناس مقتنعين بان الله دعاهم لتكوين شعب يحتل مكانا في التاريخ بتشريعه ومبادئه في الحياة الفردية والجماعية" (15) .
فالقضية، اذن، قضية قناعة من اناس يدعون ان "الله دعاهم لتكوين شعب" وليست قضية وحي منزل ولا قضية اناس ملهمين. انها مسألة تأليف بشري لنصوص سطرت فيها القناعات الشخصية لهؤلاء المؤلفين "بدعوة من الله" كما يدعون.
وكان محققو العهد القديم اكثر صراحة ووضوحا في التعبير عن قناعاتهم عندما قالوا ان اسفار الكتاب المقدس "عمل مؤلفين ومحررين عرفوا بانهم لسان حال الله في وسط شعبهم، ظل عدد كبير منهم مجهولا" وان "معظم عملهم مستوحى من تقاليد الجماعة" (16) . ويذكر هؤلاء المحققون ان هذه الاسفار لم توضع في صيغتها النهائية الا بعد ان "انتشرت زمنا طويلا بين الشعب، وهي تحمل آثار ردود فعل القراء في شكل تنقيحات وتعليقات، وحتى في شكل اعادة صيغة بعض النصوص إلى حد هام او قليل الاهمية". واكثر من ذلك، فان احداث الاسفار "ما هي، احيانا، الا تفسير وتحديث لكتب قديمة" (17) غير منزلة ولا سماوية ولا دينية طبعا، وهو ما يؤكد، بلا ادنى شك، ان معظم ما جاء في هذه الاسفار لا علاقة له، من قريب او من بعيد بالسماء.
ويذكر هؤلاء المحققون ان اسفار الشريعة الخمسة، او "التوراة" تحتوي "من جهة على روايات وتقاليد قصصية، ومن جهة اخرى على شرائع بحصر المعنى، وتقاليد اشتراعية اثرت في مراحل تكوين شعب "اسرائيل" وامنت بنيته" (18)، الا انه، وان كانت شرائع التوراة إلى حد كبير، عن شريعة موسى، رغم ما ادخل عليها من تعديلات واضافات وفقا لاهواء المؤلفين، فان الروايات والقصص التي وردت في اسفار هذه التوراة تبدو اقرب إلى الاساطير الخرافية منها إلى الحقائق التاريخية العلمية. (19)
3ـ سبينوزا:
لقد اكتسبت آراء الفيلسوف الهولندي "باروخ دي سبينوزا Baruch de spinoza ) 1632 ـ 1677) في التوراة خصوصا، والعهد القديم عموما، اهمية خاصة لدى الباحثين والمفكرين في كل الاوساط العالمية، وذلك لما تضمنته من صراحة وجرأة نادرتين في نقد الفكر الديني العبراني.
يرى سبينوزا (20) ان الظواهر المعجزات التي رواها العهد القديم ليست خروجا على الطبيعة، بل انها خليط من خيال الرواة وحوداث الطبيعة، ويتساءل عما اذا كان ممكنا حدوث شيء ما يناقض قوانين الطبيعة، ولكنه ينفي ذلك قائلا انه "لا جديد يحدث في الطبيعة" وانه يتبين "بأعظم قدر من الوضوح، ان يجب ان نفسرها مبينين، بقدر ما نستطيع، اتفاقها التام مع سائر الاشياء" وعلى هذا الاساس، يحاول سبينوزا ان يفسر ما ورد في العهد القديم من معجزات مثل شق البحر بعصا موسى، والضربات العشر، وتوقيف الشمس في كبد السماء، بانها احداث طبيعية ليس فيها شيء من الاعجاز، وان شق البحر، مثلا، حصل على يد الاسكندر المقدوني كما حصل على يد موسى، فهل يجب اعتبار الاسكندر نبيا، اذن؟ وهكذا يحاول سبينوزا ان يجرد العهد القديم، ولا سيما التوراة، من خصوصية مهمة ترفعه إلى مرتبة القداسة، وهي اعتماد المعجزة، إلى حد كبير، لاثبات نبوة موسى (عليه السلام).
انطلاقا من هذه النظرية، يرى سبينوزا ان "القاعدة العامة" التي يجب اعتمادها لتفسير الكتاب المقدس هي ان "لا ننسب اية تعاليم سوى تلك التي يثبت الفصح التاريخي"، بوضوح تام، انه قال بها (21) يعني ان تكون علمية البراهين التاريخية هي الاساس في تفسير الكتاب المقدس وتصديق روايته. ويحدد سبينوزا الطريقة التي يجب ان يتم بها هذا "الفحص التاريخي"، وهي كناية عن مجموعة من الاسئلة يجب طرحها قبل اتخاذ القرار النهائي بمصداقية الكتاب، وهي :
"سيرة مؤلف كل كتاب واخلاقه والغاية التي كان يرمي اليها، ومن هو، وفي اية مناسبة كتب كتابه، وفي أي وقت، ولمن، وباية لغة كتبه؟
ـ "الظروف الخاصة بكل كتاب على حدة: كيف جمع اولا، وما الايدي التي تناولته، وكم نسخة مختلف معروفة من النص، ومن الذين قرروا ادراجه في الكتاب المقدس؟
ـ واخيرا، كيف جمعت جميع الكتب المقننة (أي اعترفت بها الكنيسة رسميا) في مجموعة واحدة ؟ (22) .
ويرى سبينوزا انه لا بد من قرار حاسم بان "لا نسلم بشيء لا يخضع لهذا الفحص اولا يستخلص منه، بوضوح تام، على انه عقيدة مؤكدة للانبياء"، وعندها، وبعد ان تنتهي من فحص الكتاب على هذا الاساس، نعمد إلى "دراسة فكر الانبياء والروح القدس" (23) لكي نصل إلى النتيجة المنطقية التي نصنف، على اساسها، الكتاب بين الكتاب المقدسة او نرفض تصنيفه بينها.
وعلى هذا الاساس، ينتقل سبينوزا إلى التحقيق في اسفار العهد القديم، والتحقق من "قدسيتها"، فيقرر اننا "نجهل تماما مؤلفي كثير من هذه الاسفار، او نجهل الاشخاص الذين كتبوها… او نشك فيهم"، كما اننا "لا ندري في اية مناسبة وفي أي زمان كتبت هذه الاسفار التي نجهل مؤلفيها الحقيقيين، ولا نعلم في أي ايدي وقعت، وممن جاءت المخطوطات الاصلية التي وجد لها عدد من النسخ المتباينة، ولا نعلم، اخيرا، اذا كانت هناك نسخ كثيرة اخرى في مخطوطات من مصدر آخر" (24) اضافة إلى ذلك، فنحن " لا نملك هذه الاسفار في لغتها الاصلية، أي في لغة كتابها" مما يزيد من صعوبة تفسيرنا لها تفسيرا صحيحا (25).
ويرى سبينوزا ان المعلومات التاريخية عن الكتاب المقدس، "ناقصة، بل وكاذبة"، وان الاسس التي تقوم عليها معرفة هذا الكتاب "غير كافية، ليس فقط من حيث الكم" بحيث لم نستطيع ان نقيمها بشكل صحيح، "بل انها، ايضا، معيبة من حيث الكيف"، ولكن الناس المتشبثين بآرائهم الدينية يرفضون "ان يصحح احد آراءهم" هذه، بل انهم "يدافعون بعناد" عن هذه الآراء، مهما كانت مغلوطة ومشوشة، كما يدافعون عن "الاحكام المسبقة… التي يتمسكون بها باسم الدين". وهكذا لم يعد العقل مقبولا "الا عند عدد قليل نسبيا" (26).
واستنادا إلى هذه النظريات، يثير سبينوزا تساؤلات مهمة حول اسفار العهد القديم عموما، واسفار التوراة خصوصا، ثم يقرر ما يلي، معتمدا في تقريره على (ابن عزرا) : "ان موسى ليس هو مؤلف الاسفار الخمسة (التوراة) بل ان مؤلفها شخص اخر عاش بعد بزمن طويل، وان موسى كتب سفرا مختلفا" (27).
ولتأكيد تقريره هذا، يقدم سبينوزا البراهين التالية:
1ـ "لم يكتب موسى (ع) مقدمة التثنية لانه لم يعبر الاردن".
2ـ "كان سفر موسى (ع)، في حجمه، اقل بكثير من الاسفار الخمسة" (كتب السفر كله على حافة مذبح واحد، وفقا لما جاء في التثنية 27 ويشوع 32:8).
3ـ ورد في سفر التثنية (9:31) ان موسى كتب هذه التوراة (او هذه الشريعة)، "ويستحيل ان يكون موسى (ع) قد قال ذلك، بل لا بد من ان يكون قائلها كاتبا آخر يروي اقوال موسى واعماله".
4ـ عندما يتحدث الراوي، في سفر التكوين (الاصحاح 12) عن رحلة ابراهيم (ع) في ارض كنعان، يقول:
"والكنعانيون حينئذ في الارض" مما يدل على انهم، أي الكنعانيين، لم يكونوا في هذه الارض عندما كتب هذا الكلام، مما يعني ان هذا الكلام قد تبت "بعد موسى، وبعد ان طرد الكنعانيون ولم يعودوا يشغلون هذه المناطق"، وبالتالي، فان الراوي " لم يكن موسى، لان الكنعانيين في زمان موسى، كانوا لا يزالون يملكون هذه الارض".
5ـ ورد في سفر التكوين (14:22) ان "جبل موريا سمي جب الله" الا ان ذلك الجبل لم يحمل هذا الاسم "الا بعد الشروع في بناء المعبد" (28) ويستطرد سبينوزا: "والواقع ان موسى لا يشير إلى أي مكان اختاره الله، بل انه تنبأ بان الله سيختار، بعد ذلك، مكانا سيطلق عليه اسم الله".
6ـ ورد في سفر التثنية (11:3) عبارة خاصة بعوج ملك باشان: "وعوج هذا هو، وحده، بقي من الرفائيين، وسريره سرير من حديد، او ليس هو في ربة بني عمون؟ طوله تسع اذرع وعرضه اربع اذرع بذراع الرجل؟ "وتدل هذه الاضافة" بوضوح تام، على ان من كتب هذه الاسفار عاش بعد موسى بمدة طويلة وفضلا عن ذلك، فلا شك في انه لم يعثر على هذا السرير الحديدي الا في عصر داوود الذي استولى على الرباط (ربة عمون) كما يروي صموئيل الثاني (30:12). (29)
7ـ تتحدث التوراة في اسفارها (ما عدا التكوين) عن موسى (ع) "بضمير الغائب" فتقول مثلا : قال موسى لله، وذهب موسى، وكلم الرب موسى، ودعا الرب موسى، وغضب موسى على ضباط الجيش الخ… (ونجد ذلك بكثرة في الاسفار الاربعة. من التوراة: الخروج والاحبار والعدد والتثنية، بينما نرى، احيانا، وفي سفر التثنية، ان موسى يتحدث بنفسه، وبضمير المتكلم، وذلك بعد ان يقدمه الراوي قائلا : "هذا هو الكلام الذي كلمه الله به موسى كل "اسرائيل" في عبر الاردن" (تث 1:18) ثم يستطرد : "شرع موسى في شرح هذه الشريعة فقال : الرب الهنا…قلت لكم … ثم رحلنا … فأجبتموني … كما امرني الرب … ثم كلمني الرب … فأرسلت رسلا … ثم تحولنا… وامرتكم .. الخ…" وظل موسى يتكلم بنفسه، كما قدمه الراوي، طيلة الخطاب الاول من السفر المذكور (تث 39:4) حيث عاد الراوي إلى الكلام عن موسى بضمير الغائب : "حينئذ افرد موسى ثلاث مدن" (تث 41:4) وبدأ الراوي خطاب موسى الثاني بقوله: "هذه هي الشريعة التي وضعها موسى امام بني "اسرائيل"" (تث 44:4) فكانت: الوصايا العشر (تث 5ـ تث 12) ثم مجموعة الفرائض والاحكام (تث 12ـ تث 26)، وقد صيغت كلها بضمير المتكلم، حتى اذا وصل الراوي إلى خطاب الخاتمة الذي هو نهاية الخطاب الثاني (تث 27ـ تث 28) عاد ليتحدث عن موسى بضمير الغائب، إلى ان يصل إلى اعمال موسى الاخيرة ووفاته، حتى آخر السفر. ويرى سبينوزا، ان بعض اسفر التثنية، وليس كله، هو الذي يمكن نسبته إلى موسى، وان الراوي هو الذي نقل كلام موسى وليس موسى نفسه الذي تحدث مباشرة، وان طريقة الكلام والشواهد، ومجموع نصوص القصة كلها، يدعو إلى الاعتقاد بان موسى لم يكتب هذه الاسفار، بل كتبها شخص آخر (30) .
8 ـ بالاضافة إلى ان سفر التثنية وقد روى قصة وفاة موسى ودفنه، وهي قصة لا بد من ان تكون خارجة عن نطاق اعمال موسى في هذا السفر، فان الراوي يرى ان موسى فاق من جاء بعده من الانبياء في بني "اسرائيل"، إذ يقول: "ولم يقم من بعد في "اسرائيل" نبي كموسى الذي عرفه الرب وجها لوجه" (تث 10:34) مما يؤكد، بلا ادنى شك، ان صاحب الكلام هو غير موسى بالطبع.
9ـ وردت في اسفار التوراة اسماء اطلقت على امكنة لم تعرف بها في عهد موسى، بل عرفت بعده بزمن طويل، مثل ما ورد في سفر التكوين بان ابراهيم "جد في اثرهم" (أي في اثر الاعداء) حتى دان (تك 14:14). ولم تحمل "دان" هذا الاسم الا بعد موت يشوع بمدة طويلة، كما ورد في سفر القضاة (31) .
10ـ كثيرا ما يتجاوز الراوي، في رواياته في اسفار التوراة، حياة موسى، كأن يروي، في سفر الخروج (35:16) ان بني "اسرائيل" اكلوا "المن اربعين سنة، إلى ان وصلوا إلى ارض عامرة، اكلوا المن إلى حين وصلوا إلى ارض كنعان" حيث "انقطع المن من الغد، منذ اكلوا من غلة الارض" (يش 12:5) ومعلوم ان موسى قد أتى قبل دخول العبرانيين إلى ارض كنعان واكلهم من غلتها، او ان يروي، في سفر التكوين (31:36) عن "هؤلاء الملوك الذي ملكوا في ارض ادوم، قبل ان يملك ملك في بني "اسرائيل""، اذ يتحدث الراوي "عن الملوك الذين كانوا يحكمون الادوميين قبل ان يخضعهم داود لحكمه" حيث جعل داود "في ادوم محافظين، وصار جميع الادوميين رعايا لداوود" (2 صم 14:8) مما يؤكد ان الراوي في هذا السفر قد عاش بعد داود (32) .
بعد كل ما تقدم، يصل سبينوزا (ونشاركه في ذلك) إلى الاستنتاجات التالية:
1ـ من الواضح "وضوح النهار" ان موسى لم يكتب الاسفار الخمسة، بل كتبها شخص عاش بعد موسى بقرون عديدة"، وان كان موسى قد كتب بعضها مثل: سفر حروب الرب، وسفر العهد، وسفر توراة الله، التي ورد ذكرها في اسفار التوراة (في سفر العدد وسفر الخروج وسفر التثنية). (33)
2ـ ليس لدينا أي سفر " يحتوي، في الوقت نفسه، على عهد موسى وعهد يشوع"، مما يدل على ان سفر "توراة الله" قد فقد، ونستنتج بالتالي، من ذلك، ان هذا السفر "لم يكن من الاسفار الخمسة (التي تؤلف التوراة حاليا) بل كان سفرا مختلفا كليا، ادخله مؤلف الاسفار الخمسة في سفره، في المكان الذي ارتآه".
3ـ يبدو انه "من بين جميع الاسفار التي كتبها موسى"، لم يأمر بالمحافظة دينيا، إلا على سفر واحد هو سفر العهد الثاني (34) الذي هو "التوراة الصغير والنشيد".
4ـ ليس من الثابت ان موسى (ع) قد كتب غير هذه الاسفار التي سبق ذكرها، "ولما كانت توجد نصوص كثيرة، في الاسفار الخمسة، لا يمكن ان يكون موسى كاتبها، فان احدا لا يستطيع ان يؤكد، عن حق، ان موسى هو مؤلف هذه الاسفار الخمسة، بل على العكس، يكذب العقل هذه النسبة".
5ـ حتى لو اننا سلمنا بانه "مما يبدو متفقا على العقل ان يكون موسى قد كتب الشرائع في نفس الوقت وفي نفس المكان الذي اوحيت اليه فيه" يقول سبينوزا "فاني، مع ذلك، انكر امكان تأكيد ذلك" لسبب هو اننا "لا ينبغي ان نسلم، في مثل هذه الحالات، الا بما يثبته ذلك الكتاب نفسه، او ما يستنبط كنتيجة مشروعة من الاسس التي يقوم عليها، اذ ان الانفاق الظاهر مع العقل ليس دليلا، واضيف ان العقل لا يضطرنا إلى التسليم بهذا". (35)
ويتابع سبينوزا، فيما تبقى من كتابه، تقديم براهين مماثلة لاثبات ان الاسفار المتبقية من العهد القديم (يشوع والقضاة وصموئيل والملوك الخ..) لم يكتبها من سميت بأسمائهم (مثل يشوع وصموئيل مثلا)، انما يبدو، من تسلسلها ومحتواها، ان كاتبها "مؤرخ واحد اراد ان يروي تاريخ اليهود القديم نشأتهم الاولى حتى هدم المدينة لاول مرة" ، وربما عزرا (36).
4 ـ الكنيستان الارثوذكسية والكاثوليكية:
يعرض الدكتور محمد علي البار في كتابه "المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم" رسالة من الدكتور صبري جوهرة الذي يصفه بانه زميل وصديق قديم… من اقباط مصر.. يعمل جراحا في الولايات المتحدة، وله ثقافة واسعة، وخاصة في امور العقيدة القبطية، كما يصف الرسالة بانها ملخص موقف الكنيستين الارثوذكسية والكاثوليكية "تلخيصا جيدا". وقد جاء في الرسالة ان الله (عزوجل) قد سمح للانسان (وهو، في هذه الحالة، كاتب السفر) ان يضع "كل احساساته وميوله في النصوص، ما دام ذلك لا يغير ما قصده الله من معاني السفر الاخلاقية والدينية"، وعلى هذا الاساس تعترف الكنيسة بعدم دقة الكتاب في معلوماته الفلكية والجغرافية والتاريخية والجيولوجية ذلك ان الغاية منه هي ان يعمل الدين والاخلاق ويساعد على الوصول إلى طريق الصلاح والسعادة، ومن هنا فان كل من يتمسك بحر فيته كمصدر اخر غير الاخلاق والدين لا بد من ان يبتعد به عن غايته الاصلية، ويحيد عن الفهم الصحيح للغرض الديني والاخلاقي للكتاب.
وترى المسيحية، كما يشرح الدكتور جوهرة في رسالته، ان الكتاب المقدس هو عمل مشترك بين الله والانسان، وضع فيه كلاهما ما يريد بحيث جاءت النتائج وهي تعكس "كما قال الله في صحة تعالمي الاخلاق وعلاقات البشر بعضهم ببعض" كما تعكس عدم كمال الانسان بكتابته لمعلومات علمية غير دقيقة، واحيانا مضحكة، واما ما يقال عن التحريف المتعمد او غيره فالكنيسة لا تعتقد بحدوثه، كما انها لا تعترف بتحريف وتغيير المعاني الاصلية. ويرى الدكتور جوهرة ان مزامير داوود منقولة حرفيا وبدون تصرف، من اناشيد اخناتون اول فرعون اعتمد ديانة التوحيد في مصر. (37)
ونحن اذ ننقل حرفيا بعض ما ورد في رسالة الدكتور جوهرة للدكتور البار، باعتبار ان الاول مسيحي قبطي مثقف في مور اللاهوت، نحرص على ان لا نعلق على ما ورد في الرسالة، تاركين للمراجع اللاهوتية المسيحية (الارثوذكسية والكاثوليكية) مناقشته ان ارتأت ذلك.
5ـ شهادات اخرى:
1ـ ترى "الموسوعة البريطانية" ان مؤلفي اسفار "العهد القديم" مجهولون، وليس معروفا ان كان جمعها قد تم، على يد افراد او جماعات، وانها كتبت "باللغة العبرية فقط، عدا بعض المقاطع القصيرة النادرة التي دونت باللغة الآرامية، الا ان الجماعة اليهودية عمدت، لاسباب فقهية، إلى ترجمة التوراة (او الاسفار الخمسة) من العبرية إلى الآرامية، وقد ضاعت المخطوطات العبرية الاصلية، ولم يصلنا سوى الترجمات".
وفي القرن الثالث الميلادي، قام الفقهاء اليهود بترجمة الشريعة العبرية إلى اليونانية فيما يعرف "بالترجمة السبعينية" ثم ادى انتشار المسيحية إلى ترجمة نصوص الكتاب المقدس (العهد القديم والجديد) في مختلف اللغات. (38)
وترى الموسوعة البريطانية، بحسب روايات العهد القديم: ان موسى احتفظ بصحف مكتوبة (خر 14:17و خر 4:24 و خر 27:34ـ 28 وعد 2:33 وتث 9:31 و24ـ26) وانه حتى مع التوسع في تقدير هذه الصحف فإنها لا تبلغ اكثر من خمس الأسفار الخمسة، وهكذا يكون الادعاء التقليدي بان موسى هو مؤلف الأسفار الخمسة ادعاء غير قابل للثبات وغير مدافع عنه. كما ترى هذه الموسوعة ان موسى وضع الوصايا العشر، وكان وسيطا للعهد (مع الرب) وبدأ عملة إصدار فتاوى أضافها إلى بنود العهد، وجمعها وتصنيفها وانه دون، ولا شك بعض الصحف التي استخدمت أساسا لمجموعة متزايدة من القوانين والتقاليد. ورغم ذلك فهي ترى انه يمكن وصف الأسفار الخمسة الاولى من الكتاب المقدس العبري (العهد القديم) بأنها موسوية، ذلك انه بدونها لم يكن هناك وجود لـ"اسرائيل"، ولا لمجموعة تعرف بالتوراة (39).
أما الوسائل التي أتاحت للباحثين تمييز المصادر الأساسية للاسفار الخمسة وتحديد تسلسلها الزمني فهي : اليهودية (نسبة للرب باسم يهوه) والألوهية (نسبة للرب باسم الوهيم) والتثنوية، والكهنوتية. وقد تم بعد ذلك اكتشاف مصادر اخرى للعهد القديم، منها كتابان من الادب العبري القديم مفقودان اليوم ويحتويان في اجزاء منهما القصص الاولى، وهذان الكتابان هما : كتاب حروب يهوه وكتاب "ياشار" (العادل) وقد كتبا بلغة شعرية (40) .
2ـ وترى الموسوعة الفرنسية "كييه Quillet" ان اقدم نص كامل للعهد القديم بالعبرية يعود تاريخه إلى العام 950م، ولم يصلنا منه، قبل ذلك، سوى نتف قليلة "باستثناء مخطوطات صحراء اليهودية التي تعود، عادة إلى القرن الثاني ق.م والتي تعود إلى كل اسفار العهد القديم، باستثناء سفر استير".
وقد كتبت معظم اسفار العهد القديم باللغة العبرية (اللغة السامية التي استخدمت في فلسطين حتى القرن السادس ق.م) بينما كان هناك بعض اقاسم من الاسفار باللغة الآرامية (اللغة الدولية المتداولة في آسيا القديمة، والتي استخدمها اليهود منذ سبيهم إلى بابل) كما ان آخر سفر من العهد القديم. وهو سفر الحكمة، قد كتب باللغة اليونانية. (41)
ووفقا للمفهوم المسيحي، تعتبر التوراة حصيلة تعاون بين الله والانسان، فالله هو المؤلف الحقيقي، لانه هو الذي اوحى للكاتب وتكشف له، ولكن الكاتب، هو ايضا، المؤلف كليا، للكتاب الذي كتبه، لانه وضع فيه كل شخصيته، وينتسب مؤلفو التوراة إلى العصور القديمة، السامية والهلينية، لذا نراهم يستخدمون عدة اشكال للتعبير الادبي ليس مألوفا لدينا، وعلى هذا فاننا نجد مثلا في الفصلين الاولين من سفر التكوين "فكرا لاهوتيا مع مجموعة من التقاليد الشعبية، في الوقت نفسه". (42)
وفي أي حال، فان مؤلف التوراة لم يكن ينوي في أي وقت ان يعلم العلوم ولكن بما انه ينتمي إلى عصر محدد، فهو يستخدم علوم ذلك العصر ومعارفه، وحتى اساطيره وفنونه الشعبية وهكذا فان التوراة تاريخ لتقدم بطيء في المجالين الاخلاقي والروحي لشعب الله، هذا التقدم الذي هو اليوم بالنسبة إلى المسيحيين مستمر في الكنيسة. (43)
3ـ ويرى الباحث "موريس بوكاي" ان اليهودية المسيحية ظلتا خلال قرون طويلة تقولان بان مؤلف التوراة هو موسى نفسه، وربما كان ذلك بسبب ما ورد في سفر الخروج (1ـ14) والعدد (23:2) والتثنية (31:9) من ان الله امر موسى بان يكتب.
ومنذ القرن الاول قبل الميلاد، كان هناك دفاع عن النظرية القائلة بان موسى هو كاتب الاسفار الخمسة للتوراة، ولكن هذه النظرية سقطت اليوم ولم تعد قائمة، رغم ان "العهد القديم" ينسب إلى موسى "ابوة" هذه الاسفار.
ويستند "بوكاي" في حججه لدعم النظرية القائلة بان موسى ليس مؤلف التوراة، على تلك التي يقدمها الاب ديفو De Vaux ( مدير المدرسة التوراتية في القدس)، الذي وضع عند ترجمته لسفر التكوين (عام 1962) مقدمة عامة للاسفار الخمسة للتوراة تضمنت "حججا ثمينة جدا تنقض التأكيدات الانجيلة لابوة موسى لهذه الاسفار"، كما ذكر انه في القرن السادس عشر(م)، لاحظ (كارلستادت Karlstadt) ان موسى لم يستطع كتابة قصة موته في سفر التثنية (34:5 ـ 12). وعدد كارلستادت، كذلك انتقادات اخرى ترفض نسبة قسم من الاسفار الخمسة إلى موسى. وهناك ايضا، كتاب ريشارد سيمون Richard Simon التاريخ النقدي للعهد القديم Histoirc critique du vicux testament ( عام 1678) الذي يبين الصعوبات التاريخية والتكرار وفوضى الروايات والاختلاف في الاسلوب، في هذه الاسفار، ومع ذلك لم يؤخذ بحجج ريتشارد سيمون قط، وظلت كتب التاريخ ترجع، حتى مطلع القرن الثامن عشر، إلى المراجع السحيقة القدم للتحدث عن ما كتبه موسى.
وكان من الصعب جدا الغاء هذه النظرية التي يدعمها المسيح نفسه في العهد الجديد.
وفي العام 1753، صدر كتاب لجان استروك Jaen Astruc الطبيب الخاص للملك لويس الخامس عشر، وضع الحجة الحاسمة لالغاء هذه النظرية اذ اثبت هذا الكتاب ان سفر "التكوين" متعدد المصادر.
وفي عام 1854، برزت نظرية تقول بان للتوراة اربعة مصادر هي : الوثائق اليهودية والوثائق الالوهية والتثنية، والقانون الكهنوتي، وقد حددت ازمنة هذه المصادر كما يلي:
1ـ تعود الوثائق اليهودية إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وقد كتبت في مملكة يهوذا.
2ـ وتعود وثائق الالوهية إلى زمن اقرب، وقد كتبت في مملكة "اسرائيل".
3ـ وتعود التثنية إلى القرن الثامن قبل الميلاد، عند بعضهم (أدموند جاكوب E. Jacob) او إلى عهد يوشيا في القرن السابع قبل الميلاد، عند بعضهم الاخر (ديفو).
4ـ ويعود القانون الكهنوتي إلى عهد السبي او ما بعد السبي، أي إلى القرن السادس ق.م وهكذا يمتد ظهور نصوص الاسفار الخمسة على مدى ثلاثة قرون على الاقل.
وفي عام 1941 اكتشف لودز ( A. Lods) ثلاثة مصادر للوثائق اليهودية، واربعة مصادر للوثائق الالوهية، وستة مصادر للتثنية، وتسعة مصادر للقانون الكهنوتي. ويستطرد الاب ديفو : هذا عدا الاضافات الموزعة بين ثمانية كتبة.
وقد ادى تعدد مصادر التوراة إلى كثير من التناقضات والتكرار. واعطى الاب ديفو العديد من الامثلة على ذلك. (44)
وهكذا تبدو الاسفار الخمسة مؤلفة من تقاليد متنوعة جمعها كتاب بمهارة تزيد او تنقص، بحيث راكموا تجميعهم (تقميشهم) تارة، او حولوا الروايات طورا بهدف تركيبها، الا انهم تركوا فيها كل ما بعد ذلك، ان يقسم الاب ديفو سفر التكوين، وحده إلى ثلاثة مصادر اساسية، وذلك في مقدمة ترجمته لهذا السفر عام 1962. (46)
اضافة إلى ذلك، ينكر بعض الباحثين المصريين القدامى ان يكون موسى عبرانيا، ومنهم "مانيتو" المؤرخ المصري في عهد بطليموس الثاني، وكان قد اشتهر كأستاذ يقصده الباحثون في مكتبة الاسكندرية، وهو يقول ان موسى مصري عاش في ايام امنحوتب الثالث وانه اراد ان يرى الاله بعينيه حتى يصدق، وانه درس بمدينة هليوبوليس (عين شمس). كما ينكر بعض المؤرخين اليونانيين ان تكون قد قامت دولة او مملكة لـ"اسرائيل" في فلسطين، لا في ايام يشوع، ولا في ايام داوود، ولا في ايام سليمان وذلك استنادا إلى ما جاء في كتابات المؤرخين اليونانيين، منذ القرن الثامن ق.م وهي كتابات لم يرد فيها وجود لمملكة "اسرائيل" في فلسطين. (47)
ثانيا : الثقافة الصهيونية:
على هذه المرويات والاساطير الخرافية، قامت الفكرة الصهيونية والثقافة الصهيونية، ذلك ان الصهيونية كفكرة، تسعى إلى عودة اليهود إلى "ارض "اسرائيل"" او "ارض الميعاد" التي ورد ذكرها في التوراة التي اخترعها احبار اليهود في منفاهم، دون ان يقدموا أي دليل على صحة ادعاءاتهم هذه، وهي في معناها السياسي، دعوة سياسية انطلقت من اساطير خرافية البست لباس الدين واسندت إلى مزاعم تاريخية تخفي مطامع استعمارية عنصرية، وساعد على ذلك نشوء الفكرة القومية في اوروبا في القرن التاسع عشر، حيث سعت الصهيونية إلى الباس اليهودية لباس القومية الحديثة.
كان "هرتزل" اول من تحدث عن دولة لليهود في كتابه "دولة اليهود" (صدر عام 1896) حيث طالب بان يكون لليهود ارض يقيمون عليها دولتهم، في مكان ما من العالم، وليس بالضرورة فلسطين فهو قد قال في كتابه هذا: ليعطونا السيادة التامة على جزء كاف من مساحة الارض، بشكل يؤمن الاحتياجات الشرعية لشعبنا، ونحن نتكفل بالباقي. بل انه اقترح ان تام هذه الدولة على ارض الارجنتين، لانها احدى اكثر البلاد غنى في العالم. وذات مساحة هائلة، ونسبة ضئيلة من السكان، ومناخ معتدل، او على ارض فلسطين التي هي "بلادنا التاريخية التي لا تنسى" ولكنه أي هرتزل وافق اخيرا على ان تقوم دولة لليهود في "اوغندا" ولو بصورة مؤقتة. (48)
"بلادنا التاريخية التي لا تنسى" هكذا زور اليهود تاريخ فلسطين واختلقوا، لانفسهم، وطنا على ارض لم يثبت تاريخيا انها كانت ذات يوم لهم وغني عن التكرار ان مرويات العهد القديم التي تزعم هذا الزعم ليست ثابتة تاريخيا.
واذا كان هرتزل قد تحدث عن "دولة اليهود" دون ان يعني، في ذلك ما عنته الصهيونية فيما بعد ان الصحافي اليهودي النمساوي "ناثان بيرنبوم Nathan Birnbawm كان اول من تحدث عن "الصهيونية" في كتابه "الاحياء القومي للشعب اليهودي في وطنه، كوسيلة لحل المشكلة اليهودية" الذي صدر باللغة الالمانية عام 1893 وربما يكون بيرنبوم، بالذات قد استعمل العبارة نفسها في مقالة له كتبها عام 1886 بعنوان "التحرر الذاتي". (49)
ويعتبر "آلان تايلر" في كتابه "الفكر الصهيوني" ان اول عبارة عن الصهيونية قد وردت على لسان المفكر اليهودي "مويز هس Moise Hess" وكانت الفكرة القومية اليهودية قد بدأت تختمر في عقول العديد من المفكرين اليهود الاوروبيين اقتباسا عن الفكر القومي الذي ساد في اوروبا خلال القرن التاسع عشر، وقد رافق هذه النزعة العنصرية لدى يهود اوروبا انشاء حركة، في مطلع الثمانينات، دعت نفسها "احباء صهيون" وكان من اهداف هذه الحركة السعي لاستيطان يهودي في فلسطين، على ان يشمل هذا الاستيطان مختلف اوجه الحياة اليهودية: الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. (50)
ما الذي دفع اليهود، الاوروبيين خصوصا، إلى تبني الدعوة الصهيونية التي تقوم على السعي لانشاء قومية خاصة باليهود ترتكز على ارض خاصة بهم يعتمدونها وطنا لهم، وهم الذين يعيشون في بلدان اوروبية متحضرة ويشكلون اجزاء من شعوب اوروبية متحضرة؟ فيما لم تقم بين اليهود القاطنين في مختلف ارجاء الوطن العربي مثل هذه الدعوة، اذ من الثابت ان اليهود العرب لم يتبنوا الدعوة الصهيونية الا بعد ان قامت في اوروبا وانتشرت بين اليهود الاوروبيين؟
لا شك في ان الدوافع التي ادت باليهود إلى تبني الدعوة الصهيونية تعود إلى عوامل ثلاثة:
ـ العامل الاول: ديني، اذ يعتقد اليهود، فعلا ان ما ورد في التوراة (والعهد القديم) صحيح تاريخيا، وانهم اصحاب فلسطين ومالكوها، وان لديهم اوامر دينية بالعودة اليها.
ـ والعامل الثاني: عنصري، فاليهود قوم لم يستطيعوا، طوال تاريخهم، التأقلم والتكيف مع أي شعب من شعوب الارض، وذلك بسبب النزعة الصهيونية التي خلقها "العهد القديم" فيهم، حين زعم انهم "شعب الله المختار" وان عليهم ان يعودوا إلى الارض الي وعدهم الله بها، الارض التي تدر لبنا وعسلا، وبانه سوف يطرد سبعة شعوب من امامهم.
ـ والعامل الثالث : سياسي، وهو القائم على الاطماع الاستعمارية الاوروبية، ومن البديهي القول ان الدول الاوروبية التي ساعدت على تحقيق ما طمح اليهود إلى تحقيقه في فلسطين لم يكن ايمانا منها بحق اليهود في فلسطين، بقدر ما كان تحقيقا لمطامع استعمارية بحتة، اذ التقت مطامع تلك الدول باحلام اليهود الخرافية، فتحالفت وحققت المعجزات، وساعدها على ذلك التخلف والتشرذم العربي والاسلامي.
لقد ارتكزت الثقافة الصهيونية، اساسا، على وعد مزعوم بارض فلسطين، وساعد على تغذية هذا الوهم وتعزيزه في نفوس اليهود وافكارهم اضطهاد العالم الغربي لهم، بغية دفعهم للتمسك بهذا الوهم وتجسيده في كيان حقيقي، وساعدهم الغرب بكل ما لديه من قوة وامكانات في سبيل تحقيق ذلك، على حساب اصحاب الحق والارض من العرب، ولم ينشأ اضطهاد الاوروبيين لليهود من فراغ، فقد كان اليهود بطبيعتهم، عنصريين غير متألفين مع باقي المواطنين، في المجتمعات التي وجدوا او نشأوا وترعروا فيها، وذلك بسبب ما زرعه كتابهم، "المقدس" المزيف والمزعوم، في نفوسهم من عصبية وعنصرية بغيضة. وساعد على ارتكاب هذا الخطأ الكوني الكبير الذي لا تزال البشرية تعاني من نتائجه، ما اقدم عليه الباحثون والمؤرخون الاوروبيون، اليهود وغير اليهود، من تزوير للحقائق التاريخية بقصد جعل التوراة والعهد القديم "حقيقة" تاريخية.
ثالثا : تزوير التاريخ
وهكذا، وبدلا من ان يسعى الباحثون والمؤرخون الغربيون إلى البحث عن الحقيقة التاريخية لمرويات التوراة (والعهد القديم) عن طريق وضعها موضع الشك والجدل والمناقشة، شأن كل باحث علمي رصين، اذا بهم يضعونها موضع اليقين ويروحون يختلقون لها اسنادا تاريخية من خلال اختلاق تاريخ لـ"اسرائيل" القديمة وتهميش، بل وتضييع للتاريخ الحقيقي لفلسطين (51) . وقد سار في هذا الطريق غالبية الباحثين والمؤرخين الاوروبيين وتبعهم في ذلك المؤرخون العرب (52) وتكمن المشكلة في ان "العهد القديم"هذا، بكل ما تضمنه من اساطير، قد اعتمد لدى معظم الباحثين والمؤرخين، كمصدر (لا يدحض) لتاريخ العبرانيين، وتاريخ فلسطين بالذات، دون ان يكون لما تضمنه هذا "الكتاب المقدس" اصل موثوق، ودون ان يحاول اولئك الباحثون المؤرخون البحث، في مصادر اخرى، اثرية (اركيولوجية) وتاريخية، عن الحقيقة التاريخية في ما اورده من مرويات. ولمزيد من التفصيل في البرهان والحجة، سوف نعمد إلى الاستشهاد بأثرين هما من اهم من صدر، في الغرب، حول هذا الموضوع، كدحض للتزييف التاريخي الذي اعتمدته التوراة واقره الباحثون والمؤرخون في الغرب خصوصا:
1 ـ يتناول الباحث "كيث وايتلام Keith Whitelam" البحث في صحة التاريخ العبراني، في فلسطين، استنادا إلى التوراة والعهد القديم، فيرى ان تاريخ فلسطين "غير موجود من الاساس" اذ ان الخطاب التوراتي المهيمن قد استبعده، فغدا تاريخ فلسطين مجرد ظل مهمش في اطار التاريخ العبري، حيث تم اختلاق ""اسرائيل" القديمة" التي يقول عنها المؤرخ "فيليب ديفيس P. Davies" انها من اختراع عقول العلماء وانها بعيدة كل البعد عن الحقيقة. ومما يثير السخرية لدى "كيث وايتلام" ان تاريخ ""اسرائيل" القديمة" قد استأثر باهتمام المؤرخين القدامى، باعتبار فكرة البحث عن "اسرائيل" القديمة، وعن الوثائق المادية التي يفترض انها سوف تلقي الاضواء على التوراة العبرية (53) ، دون أي اعتبار لتاريخ فلسطين بالذات. وهكذا يبدو لنا، من وجهة نظر "وايتلام" واخرين عديدين سواه، ان تاريخ فلسطين "مازال غير مصرح به، محتجبا في الخطاب السائد في الدراسات التوراتية وهي دراسات تهتم اساسا بالبحث عن تاريخ "اسرائيل" القديم باعتباره الميدان الذي عين على فهم تراث التوراة العبرية الذي هو المنبع الاول للحضارة الغربية. (54)
المنبع الاول للحضارة الغربية؟ لا شك في ان سيطرة اللاهوت على مضامين الثقافة الغربية وحضارتها اعطى الدراسات التوراتية ابعادا سياسية وثقافية اضحى الغرب اسيرا لها، بثقافته وحضارته، وقد هدفت هذه الدراسات (التوراتية) في الاساس، إلى اختلاق "اسرائيل" القديمة، واسكات التاريخ الفلسطيني كما قال "وايتلام" في عنوان كتابه هذا.
ويرى "وايتلام" ان الكذبة التاريخية الكبرى التي اطلقها الباحثون والمؤرخون الذين اعتمدوا "الدراسات التوراتية" كمصدر اساسي (وربما وحيد) لتاريخ فلسطين، قد بدأت تنكشف بسبب "تصدع هذا الاجماع" الذي حظيت به تلك الدراسات في الفترة السابقة، مما ساعد على تعرية الافتراضات السياسية والدينية التي عززت بناء تاريخ الدراسات التوراتية، ويستشهد على ذلك بدراسة الباحثين "ميلر وهايز Miller and Hayes ( عام 1986) وهي التي كانت "نقطة تحول رئيسية في كتابة تاريخ "اسرائيل" من منظور توراتي "بحيث اظهر هذان الباحثان، في دراستهما، المشاكل المتزايدة المتعلقة بتاريخ "اسرائيل" القديم، باعتباره تاريخ الفجوات واضطرار هذا التاريخ إلى التخلي، باستمرار، عن مسلماته، والقواعد الثابتة التي انطلق منها وهو ما ينذر "بموت التاريخ التوراتي" لكي يحل محله، تدريجيا الاعتراف بالتاريخ الفلسطيني كموضوع قائم بذاته، وهو فهم جديد لتاريخ هذه المنطقة يزداد ابتعادا وانفصالا عن الدراسات التوراتية. (55)
واذا كانت "اسرائيل" الحديثة قد قامت على جزء من ارض ""اسرائيل" القديمة" وليس كلها، وان ارض فلسطين لا بد من ان تعود، برمتها والى الابد إلى "شعب "اسرائيل"" كما يرى "بن غوريون" (56) واذا كانت القوى الاربع العظمى ملتزمة بالصهيونية سواء اكانت على خطأ ام على صواب وذلك لان الثقافة الصهيونية متأصلة بعمق في تراث من الماضي البعيد، وفي حاجات الحاضر وآمال المستقبل لهذه القوى، كما يقول اللورد بلفور (بعد عامين من اعلان وعده الشهير)، (57) فان ما لا يمكن دحضه وانكاره هو ان هذه الصورة "التوراتية" قد بدأت بالاهتزاز في وعي المثقف الغربي الذي بدأ يتأثر بالدراسات التاريخية العلمية لهذه المنطقة، بعيدا عن المؤثرات التوراتية التي سكنت وعيه زمنا طويلا، خصوصا وانه قد بدأ يعني ان ما يربط القوى العظمى بالكيان الصهيوني القائم حاليا على ارض فلسطين ليس توراتيا بقدر ما هو سياسي استعماري مفضوح.
ويرى "وايتلام" اخيرا انه اذا كان التاريخ الفلسطيني قد استبعد خلال القرنين الماضيين بتأثير من "المدرسة التوراتية" المزورة للتاريخ برمته، مما ادى ال حرمانه من مكن خاص به في الخطاب الاكاديمي الغربي، واذا كان الاهتمام الاوروبي بفلسطين، من الوجهة الاستراتيجية قد نشأ مع سعيها (أي اوروبا) لمعرفة جذور حضارتها كما حددتها "اسرائيل" القديمة والتوراة مما جعلها تتقبل بسهولة افكار المتخصصين التوراتيين وتقبل على تصور ماضي فلسطين كما جاء في التراث التوراتي، فان عدم الارتياح المتزايد من صدقية هذا التراث، ورواج الكتب التاريخية الجديدة المعدلة وفقا لمعايير علمية جديدة لقراءة تاريخ فلسطين، وما رافق ذلك من تغييرات جرت داخل التخصص الاكاديمي، المتعلق بالتراث التوراتي، حيث كشفت هذه التغيرات عن مدى اختلاق هذا التاريخ (التوراتي) المتخيل بناء على نماذج من التجربة المعاصرة، بالاضافة إلى الاسهام الذي قدمه النضال الفلسطيني المستمر والانتفاضة الفلسطينية بشكل خاص، قد ساعد، ذلك كله في استمرار تحطيم الاسس الفكرية التي كانت سائدة بتاثر من الرواية التاريخية التوراتية (58) وهو ما سوف يؤدي ولا شك في النهاية إلى رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني الحقيقي وغير المزور والمزيف.
2ـ ويقدم لنا الباحث "توماس طومسون Thomas l. Thompson" في كتابه "التاريخ القديم للشعب "الاسرائيلي"" نموذجا آخر من المؤرخين الذين يفضحون التزوير التاريخي لـ"اسرائيل" القديمة (وقد بدأ عددهم يتزايد باطراد) ويعتمد "طومسون" على نظرية "ويلهاوزن" في الفرضية الوثائقية" التي ترى انه يجب فهم "المصادر الاربعة (59) للاسفار الخمسة الاولى" من العهد القديم (وهي اسفار الشريعة او التوراة) على انها وثائق ادبية تم تأليفها وقت كتابتها، وهي انعكاس صادق لفهم ومعرفة تؤلفيها وعالمهم، وعلى هذا فلا يمكن اعتبارها تاريخا يعتد به، كما انه لا يمكن الاستفادة منها لاعادة تشكيل تاريخ "اسرائيل" القديم، السابق على وقت تأليفها. (60)
ويرى "ماير" وهو باحث زميل لويلهاوزن، ان "المصادر الوثائقية" التوراتية ليست في الاصل سوى "مرويات شفهية" ومجموعات من القصص التي تألفت من الحكايات الشعبية والاساطير والملاحم، ويقدم مثالا على ذلك حكايات "سفر التكوين" التي تنتمي إلى عالم الخيال وليس فيها سوى القليل مما له علاقة بالتاريخ.
وقد وافق "ماير" في تحليله هذا باحث آخر هو "غونكيل" (وكان محاضرا في هال، إلى جانب ماير، خلال اعوام (1889ـ 1894). يقول "غونكيل" ان "المرويات الشفهية" التي كانت معروفة من الادب العالمي والادب الشعبي هي التي تشكل اساس الحكايات التوراتية وحكايات العهد القديم. وقد كان للباحث غريسمان وهو تلميذ ويلهاوزن اثر كبير في انتشار هذه الافكار، خصوصا بعهد نشره كتابه المهم "نصوص الشرق القديم المتعلقة بالعهد القديم" الذي اثر في الفكر اللاهوتي الاوروبي تاثيرا واسعا، كذلك الباحث "برتشادر" الذي اشتهر بعيد الحرب العالمية الثانية، بابحاثه المتعلقة بالشرق الادنى القديم، ومنها تاريخ "اسرائيل" التوراتية القديمة.(61) ومع هؤلاء جاء الباحث "ايسفيليت Eissfeldt" لكي ينقل النقاش حول العهد القديم إلى وجهة اخرى، فالعهد القديم في نظره، لم يكن تاريخا تحول إلى خيال بل خيالا تحول إلى تاريخ، الا انه يرى ان مرويات الاسفار الخمسة الاولى هي في اشكالها القديمة، قصص عن افراد وتواريخ شعبية كانت بسبب انتقالها كمرويات شفهية، غير ثابتة، نسبيا كنص تاريخي اصلي اكتسب تدريجيا، صفة القصص الخيالية، ولذلك فهو يرى انه يمكن اكتشاف النواة التاريخية المخبأة في المرويات القديمة المهمة من خلال حذف وشطب الاضافات.
امام هذه الفرضيات المتبادلة، من اعتبار القصص التقليدية، في الاسفار الخمسة الاولى، تاريخا تحول إلى خيال، إلى اعتبار الحوادث التي نشأت عنها هذه القصص تعكس تاريخ شعوب الشرق الادنى القديم، وقف جيل جديد من الباحثين والمؤرخين اعتبر هذه الفرضيات "افتراضات مسبقة، مسلما بها ولا تناقش"، وهكذا استعادت الدراسات التاريخية عن الكتاب المقدس واسرائيل القديمة وهجها السابق المحافظ.(62)
حقق هذا التحول فوائد جمة لصالح تاريخ "اسرائيل" القديمة، اذ استغله الدارسون والمنقبون العاملون لمصلحة هذا التاريخ، في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن، وكان عود الصهيونية قد بدأ يشتد، بعد وعد بلفور وتقسيمات سايكس ـ بيكو والانتداب البريطاني على فلسطين، فاستفادت من هذا التحول ايما افادة، وشرع الباحثون الصهاينة يجهدون لتاكيد الحق اليهودي في فلسطين من خلال ابحاثهم الاركيولوجية ومن خلال الحفر والتنقيب الذي اجروه في فلسطين وجوارها، ساعين إلى تأويل كل المعلومات المستجدة لمصحلة افكارهم التوراتية، ومن اهم هؤلاء، اولبرايت (في الولايات المتحدة) وألت (في المانيا) وقد انتهى هذان الباحثان إلى تاكيد الزعم القائل، مع "ايسفيلت" بان المرويات التوراتية ذات اصول تاريخية واشترك الاثنان معا، في السعي لاعادة تشكيل تاريخ "اسرائيل" القديم على اساس التقييم النقدي والتوفيق بين الدراسات التوراتية والاركيولوجية المتعلقة بالشرق الادنى .(63)
الا ان "اولبرايت" ورغم ضحالة مفهومه التاريخي فهو لم يكن مؤرخا ولا مفسرا للتوراة بل كان اثريا (اركيولوجيا) فحسب، كان اكثر تمسكا بالمحافظة على تاريخية النص التوراتي من "ألمت" الذي كان اقرب إلى "ويلهاوزن" بل كان يعتبر خليفة "لماير" او "غونكيل". وقد اثرت مفاهيم "اولبرايت" على مسار الدراسات التاريخية ـ الاركيولوجية في اتجاه مغاير تماما لاتجاهات ويلهاون وماير وغونكيل، وهو الذي اسس لاهم النظريات، حول تاريخ اصول "اسرائيل"، في هذه الحقبة، وانتهى إلى القول "بتاريخية التوراة التي اكدتها الحفريات" معتبرا ان المرويات التوراتية سرد تاريخي للماضي وان ما ذكرته التوراة عن اسلاف "اسرائيل" كان بصفتهم افرادا تاريخيين وعرضا ادبيا لتلك الشعوب، ومفترضا في الوقت نفسه، انه يكفي لتثبيت تاريخية الرواية التوراتية، تثبيت بعض تفصيلاتها المهمة عن طريق مصادر غير توراتية، قابلا بذلك تصحيح الروايات التوراتية على ضوء التاريخ . (64) ويؤكد "اولبرايت" كذلك اساسية تاريخ الاطار التوراتي للحوادث، الا انه بسبب عد الوضوح في فهمه لنصوص العهد القديم لم يقحم الا نادرا، ما يعتقده فهما لواقع الروايات التوراتية وهذا ما وسم العديد من اعمال اولبرايت بالسطحية، وافسح في المجال قراءتها بتعصب لاهوتي ومسحة اصولية. (65)
الا ان نظريات اولبرايت هذه رفضت من قبل العديد من تلامذته امثال: مندنهال، وغيوس ولوك وماتيوس وآخرين .(66)
لقد جهد "اولبرايت" في كتابه "من العصر الحجري إلى المسيحية" في ان يجد مكانا مناسبا، في هذه الفترة الزمنية من تاريخ الشرق الادنى، يمكنه من احلال تاريخ "اسرائيل" القديمة فيه، وبثبات مقنع. وقد استمر، طوال حياته، يسعى لتحقيق هذا الهدف، وقد وفق في ذلك، إلى حد ما حيث استطاع ان يحدد وجود "اسرائيل" في فلسطين نحو عام 1200 ق.م وان الفتح قد تم اواخر القرن الثالث عشر واوائل القرن الثاني عشر ق.م وقد وافقه العديد من الباحثين، المحافظين وغير المحافظين، على ذلك.
الا ان محاولات "اولبرايت" للتوفيق بين البينات التوراتية وغير التوراتية كاثبات لتاريخانية "اسرائيل" القديمة، سرعان ما دخلت مرحلة الانهيار التي مازالت متواصلة حتى اليوم. (67)
هذا القول الاخير هو "لطومسون" الي تحدث، حتى الان، في كتابه، عن آخرين دون ان يبرز رايه بوضوح، حيث ان ناقش، في الفصول الثلاثة الاولى من كتابه، نظريات عالجت هذا الموضوع قبله.
الا ان "طومسون" لا يلبث ان يبدأ بمعالجة الموضوع من زاويته الشخصية، بعد ذلك فيبدي فيه رأيا واضحا وصريحا، في نقاش جدي لمعظم مرويات العهد القديم، حيث ينتهي إلى راي مخالف تماما لرأي "ايسفيلت واولبرايت" وطغمة المحافظين، اذ يرى في النهاية ان المرويات ليست سوى شظايا ذكريات مكتوبة او شفهية، سلاسل من القصص، اعمال ادبية معقدة، سجلات ادارية، اغان، حكم نبوية، كلمات مأثورة عن فلاسفة، قوائم وحكايات: كلها اعتبرت ذات معنى ضمن كل مترابط متراكم، جمع ونظم انتقائيا، وفسر باعتباره ماضيا مبعثرا. (68)
3ـ الا ان الصفعة القاسية والضربة القاصمة التي تلقاها اليهود المحافظون، في هذا المجال، هي تلك التي رماهم به الباحث الاثري "الاسرائيلي" البروفسور "زئيف هرتسوغ" وذلك في مقالة نشرها في جريدة هآرتس "الاسرائيلية" بتاريخ 28/11/1999 واستطاع من خلالها ان يثبت انه بعد سبعين عاما من الحفريات الاثرية المكثفة في ارض فلسطين، توصل علماء الاثار إلى استنتاج مخيف: الامر مختلف من الاساس، فافعال الاباء هي مجرد اساطير شعبية،ونحن لن نهاجر لمصر ولم نرحل من هناك، ولم نحتل هذه البلاد، وليس هناك أي ذكر لامبراطورية داوود وسليمان، والباحثون المختصون يعرفون هذه الوقائع منذ وقت طويل، ولكن المجتمع لا يعرف. (69)
ويستطرد "هرتسوغ" في مقالته هذه قائلا : في السنوات العشرين الاخيرة حدثت ثورة فعلة في تعامل الباحثين "الاسرائيليين" مع التوراة بوصفها مصدرا تاريخيا، فمعظم المنشغلين في المداولات في ميدان التوراة، علم الاثار، وتاريخ شعب "اسرائيل" الذين كانوا يبحثون حتى الان ميدانيا عن أي اثباتات لصدقية قصص التوراة، يتفقون حاليا على ان مراحل تشكل شعب "اسرائيل" كانت مغايرة تماما للصورة الموصوفة في التوراة… ومن الواضح للباحثين، اليوم ان شعب "اسرائيل" لم يقم في مصر، ولم يته في الصحراء ولم يحتل البلاد بحملة عسكرية، ولم يورثها لاثني عشر سبطا اسرائيليا، كذلك اصعب من هذا ان نستوعب حقيقة تتبدى، وهي ان المملكة الموحدة لداوود وسليمان، الموصوفة في التوراة كقوة عظمى اقليمية، كانت في افضل الاحوال مملكة قبلية صغيرة .(70)
بعد كل ما تقدم، او ليس صحيحا القول ان التوراة بمروياتها اكذوبة كبرى صنع منها اليهود اساسا فكريا لطرح سياسي يهودي في القرن العشرين، واستطاعوا، من خلال هذا الطرح، ان يقنعوا العالم باحقية مطالبهم، وذلك بعد ان جعلوا من "العهد القديم" دستور عمل لهم، وحولوه في نظر العالم اجمع وخصوصا نخبته المثقفة والمفكرة، من كتاب يتضمن اساطير وخرافات ومرويات لا يتسع لها خيال ولا يقبلها منطق، إلى كتاب تاريخي لا يخضع للمناقشة او الشك والتساؤل، فكان مرتكزا اصليا لثقافة صهيونية اعتمدته اساسا فكريا مهما لتحقيق حلمها باقامة دولة لليهود في فلسطين؟
الا ان هذا المرتكز اخذ ينهار بانهيار الاكذوبة الكبرى فهل سيظل الكيان الصهيوني نتاج هذه الاكذوبة، صلبا قويا كما كان قبل انكشافها؟ الامر يعود إلى وعي الغرب والى يقظة العرب ووحدتهم.
المصادر والمراجع
1ـ باللغة العربية
ـ القرآن الكريم.
ـ الكتاب المقدس: العهد القديم.
ـ سويد، ياسين، التاريخ العسكري لبني "اسرائيل" من خلال كتابهم، قراءة جديدة للعهد القديم، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت 1998.
ـ النيسابوري، ابو الحسن علي بن احمد الواحدي، اسباب النزول، دراسة وتحقيق السيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1986.
ـ الصليبي، كمال، التوراة جاءت من جزيرة العرب، مؤسسة الابحاث العربي، بيروت، 1985.
ـ تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي) بهامش القرآن الكريم.
ـ السيوطي، ابو الفضل جلال الدين، لباب النقول في اسباب النزول، ضبط وتصحيح احمد عبدالشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، لات.
ـ البار، محمد علي، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت، 1990.
ـ سبينوزا، باروخ دي، رسالة في اللاهوت والسياسة، تعريب : حسن حنفي، مراجعة: فؤاد زكريا، دار الطليعة، بيروت 1994.
ـ طومسون، توماس، التاريخ القديم للشعب "الاسرائيلي"، تعريب : صالح علي سوداح، مكتبة بيسان، بيروت 1995.
ـ وايتلام، كيث، اختلاق "اسرائيل" القديمة: اسكات التاريخ الفلسطيني، تعريب، سحر الهنداوي، مراجعة: فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة الكويت، عدد 249.
ـ عثمان، احمد، تاريخ اليهود، مكتبة الشروق، القاهرة، 1994.
ـ سويد، ياسين، نحو استراتيجية جادة لعمل عربي موحد، دا رالنفائس، بيروت 1996.
ـ مؤسسةالدراسات الفلسطينية، وقيادة الجيش اللبناني، القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني، بيروت، 1973.
ـ الدبس، المطران يوسف، تاريخ سوريا الدنيوي والديني، بيروت، 1893.
ـ بورتر، هارفي، النهج القويم في التاريخ القديم، بيروت، 1884.
2ـ باللغة الاجنبية:
- Gwinn, Robert, and others, the New Encycloaedia Britannica 15th. Ed.
1974-1990.
- Baigent, Michael, and Leigh, Richard, the Dead sea scrolls deception,
Ed Summit books, New York, 1991.
- Dictionnaire incyclopedique Quillet, Ed. Quillet, France, 1970.
- Herzel, Theodor, Letat Juifs, Ed. La Decouverte, Paris,1990.
- Bucaille, Maurice, La Bible, le Coran, et la Science, Ed. Seghers, Paris, 1976.
- Taylor, Alan, Lesprit sioniste, Institut des Etudes Palestiniennes, Beyrouth, 1977.
ـ الهوامش:
1ـ النيسابوري، ابوالحسن، اسباب النزول، ص 159، والسيوطي، لباب النقول في اسباب النزول ص 80.
2ـ الصليبي، كمال، التوراة جاءت من جزيرة العرب، ص 15ـ16.
3ـ النيسابوري، م. ن ص 179، وجاء في اسباب النزول ان حبرا يهوديا بدينا "خاصم" النبي (أي جادله) فقال له النبي (ص): انشدك بالذي انزل التوراة على موسى، اما تجد في التوراة ان الله يبغض الحبر السمين؟ فغضب اليهودي وقال : والله ما انزل الله على بشر من شيء، فنزلت هذه الاية (النيسابوري) م.ن.ص.ن، والسيوطي، المصدر السابق ص 90.
4ـ تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي) بهامش القرآن الكريم.
5ـ النيسابوري، المصدر السابق، ص 35.
6ـ النيسابوري، م ن ص 34 والسيوطي م ن ص 10. والاعين: الذي عظم سواد عينيه في سعة (محيط المحيط).
7ـ تفسير الجلالين، بهامش القرآن الكريم
8ـ السيوطي، المصدر السابق، ص 78.
9ـ النيسابوري، المصدر السابق، ص 96. ولا خلاق لهم : لا نصيب لهم.
10ـ السيوطي: المصدر السابق، ص 43.
11ـ البار، محمد علي، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، ص 118ـ 119.
12ـ م . ن . ص 120.
13ـ البار، المرجع السابق، ص 144.
14ـ الكتاب المقدس، العهد القديم، ص 29.
15ـ م. ن.ص.ن.
16ـ م. ن. ص 30.
17ـ م. ن .ص. ن.
18ـ م. ن. ص 59.
19ـ م. ن. ص 62.
20ـ سبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ص 238ـ 239، وانظر م. ن. ص 230ـ240.
21ـ م. ن. ص 244.
22ـ م. ن. ص 246، والكتب المقننة canonique وهي الكتب التي اعترفت بها الكنيسة رسميا، في القرن الرابع الميلادي، على انها كتب مقدسة (م. ن. ص. ن. حاشية 4).
23ـ م. ن. ص. ن.
24ـ م. ن. ص 255.
25ـ م. ن. ص 256.
26ـ م. ن. ص 265.
27ـ م. ن. ص 226.
28ـ ورد في نسخة الكتاب المقدس، العهد القديم، طبعة الرهبانية اليسوعية الصادرة عن جمعيات الكتاب المقدس في المشرق، دار المشرق، بيروت، 1988، والتي بين ايدينا، وفي سفر التكوين (14:22): "وسمى ابراهيم ذلك المكان: الرب يرى. ولذلك يقال اليوم: "وفي الجبل، الرب يرى" والمقصود بالجبل: جبل موريا.
29ـ م. ن. ص 266ـ268.
30ـ م. ن. ص 269، ونود ان نشير هنا إلى اننا تصرفنا في شرح هذه النقطة دون التقيد بما اورده سبينوزا من امثلة (انظر سفر تثنية الاشتراع في الكتاب المقدس، العهد القديم الذي اعتمدناه، وقد سبق ان اشرنا اليه).
31ـ م. ن. ص 270 وقد جاء في سفر القضاة (29:18) "وسموا المدينة دان، باسم دان ابيهم الذي ولد لـ"اسرائيل"، وكان اسم المدينة قبل ذلك، لاييش".
32ـ م. ن. ص 270ـ 271.
33ـ م. ن. ص 271، ويشير سبينوزا، في ذلك إلى ان موسى كتب، بامر من الرب، عن الحرب ضد العمالقة اذ قال الرب له : "اكتب هذا ذكرا في كتاب" (خر: 14:17) كما يشير إلى سفر يسمى "حروب الرب" ورد ذكره في سفر العدد حيث جاء "ولذلك يقال في كتاب حروب الرب" (عد 21ـ14) والى سفر آخر يسمى "سفر العيد" ورد ذكره في سفر الخروج، حيث جاء " واخذ كتاب العهد فتلا على مسامع الشعب فقال:… (خر 7:24) والى سفر ثالث يسمى توراة الله ورد ذكره في سفر التثنية حيث جاء: "وكتب موسى هذه الشريعة وسلمها إلى الكهنة بني لاوي… وسائر شيوخ "اسرائيل" (تث 9:31) ثم اضاف اليه يشوع، بعد ذلك بمدة طويلة، رواية العهد الذي قطعه الشعب (بنو "اسرائيل")على نفسه من جديد، في ايامه، (م. ن. ص 272) حيث جاء في سفر يشوع (25:24ـ26) "فقطع يشوع للشعب عهدا في ذلك اليوم، جعل لهم فريضة وحكما في شكيم، وكتب يشوع هذا الكلام في سفر توراة الله.
34ـ ورد ذكر سفر العهد الثاني في تثنية الاشتراع، حيث جاء " يقطع الرب الهك معك اليوم… حتى على حسب جميع لعنات العهد المكتوبة في سفر هذه الشريعة (تث 11:29ـ20) (انظر النص بكامله في سفر تثنية الاشتراع).
35ـ م. ن. ص 273.
36ـ م. ن. ص 274ـ277.
37ـ البار، المرجع السابق، ص 152ـ154.
38ـ Encyclopacdia Britannica T2. PP. 194-196 (Bible)
39 ـ Ibid. T24. P. 374 (Moses)
40 ـ Ibid. T2. P. 194 (Bible)
41 ـ Encyclopedie Quillet, P./723. (Bible)
42 ـ Ibid. P. 724 M Bible
43 ـ Ibid
44 ـ Bucaille. M. La bible. Le Coran. et la la Scernce. PP. 23.25.
ـ الوهية ( Elohiste) من "الوهيم" Elohim اسم عبري هو احد اسماء الله في الكتاب المقدس، ويميز هذا الاسم بعض المقاطع في الاسفار الخمسة حيث يسمى الله (الوهيم) وقد انتشر في مملكة الشمال ("اسرائيل") في القرن الثامن ق.م. ( Encyclopedie Quillet: Elohim) وتسمى تلك الوثائق ايضا: الوثائق السامرية، او النص السامري، نسبة إلى "السامرة" عاصمة مملكة "اسرائيل".
ـ يهوية ( Yahviste) : من "يهوه" Yahweh ou Yahve وهو احد اسماء الله في الكتاب المقدس، وقد انتشرت هذه التسمية في مملكة الجنوب (يهوذا) في القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد. و"اليهويه" هي احدى الوثائق الاربع في الاسفار الخمسة (التوراة).
وتتحدث عن تاريخ "اسرائيل" في بدايته، وعن طبيعة البشر ونشاط الاباء الاولين حتى موسى، حيث تتحدث عن دوره ( Encyclopedie Quillet: Yahave).
ـ استروك، جان ( Jean Astruc) : 1684 ـ1766، فرنسي، طبيب لويس الخامس عشر كان استاذا في كلية فرنسا College de France وكلية الطب بباريس، الف كتبا في الطب واللاهوت ( Encyclopedie Quillet).
ـ لودز، ادولف ( Adolphe Kods): 1867 ـ1766، فرنسي، عضو في المؤسسة L'Institut باحث اثار وعالم بالعبرية كتب كتابا بعنوان: "اسرائيل" من بداياتها حتى منتصف القرن الثامن الميلادي Ysrael. Des origins au milieu du VIIIe S وكتابا آخر بعنوان: التقليد في تاليف كتب العهد القديم.
La tradition dans la tfrmation des Kevres de I'anicen testment (Encyclop. Quillet)
ـ كارلستادت ( Karlstadt): فون رودولف اندريا لوثر بودنشتاين: 1480ـ1541 Rodulf Anderea Bodendtein. Von اصلاحي الماني صديق لوثر، الا ان هذا الاخير انكره بسبب كتاباته النقدية العنيفة، ( Encyclop. Britannica, T6. P. 745)
ـ ريتشارد سيمون ( R. Simon) : 1638 ـ1712، راهب فرنسي مفسر للكتاب المقدس، ومتخصص في العلوم العبرية، وهو اول من درس الكتاب المقدس دراسة نقدية، ظهر ذلك في كتابه المشار اليه في المتن والذي نشر عام 1678، وقد طرد من الرهبنة بسبب هذا الكتاب ( Encyclop. Quillet).
ـ ديفو: ( Devaux) 1903 ـ1971، فرنسي، درس اللاهوت، كما درس اللغتين العربية والارامية، ودخل في رهبانية الدومينيكان عام 1929، حيث اوفدته إلى مدرسة الكتاب المقدس ( Ecole Biblique) في اورشليم. اسهم في وضع الكتاب المقدس الاورشليمي La bible de jerusalem.
ـ حاضر في مدرسة الكتاب المقدس، عام 1934 حتى عام 1945 ثم عين مديرا لهذه المدرسة من عام 1945 حتى عام 1965.
ـ اصدر مجلة باسم "مجلة الكتاب المقدس La Revue Bilblique" من عام 1938 حتى عام 1953.
ـ سمي رئيسا لفريق الدراسة لمخطوطات البحر الميت عام 1953.
ـ القى محاضرات نشرت عام 1961 بعنوان "علم الاثار ومخطوطات البحر الميت" ترجمت إلى الانكليزية.
ـ لم يعترف في حياته باسرائيل، وكان يسميها دائما فلسطين وكان رئيسا لمجلس امناء متحف روكفلر في القدس، وهو المتحف الذي يحتفظ بالمخطوطات.
متهم من قبل "اسرائيل" بمعاداة السامية Baigint. Michael and leigh, Richard. The Dead sea Scrolls deception.p.27
45 ـ Bucaille. OP. Cit. Pp. 25-26
46 ـ Ibid, pp. 24 et 26.
47 ـ عثمان، احمد، تاريخ اليهود، ج 2: 38ـ39. وانظر كتابنا "التاريخ العسكري لبني "اسرائيل" من خلال كتابهم، قراءة جديدة للعهد القديم، ج 2: 306ـ324.
48ـ Hertzel. Theodor. I'Etat des Juifs. PP. 43-47 et 102
49 ـ مؤسسة الدراسات الفلسطينية وقيادة الجيش اللبناني، القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني، ص 51.
50ـ Taylor, Alan, L'Esprit sioniste. P.56
51 ـ انظر كتاب اختلاق "اسرائيل" القديمة، اسكات التاريخ الفلسطيني، تأليف، كيث وايتلام، ترجمة : د. سحر الهنداوي.
52ـ انظر تاريخ سوريا، الدنيوي والديني، للمطران يوسف الدبس (9 اجزاء) والنهج القويم في التاريخ القديم لهارفي بورتر (بالعربية) وغيرهما.
53ـ وايتلام، كيث، اختلاف "اسرائيل" القديمة، اسكات التاريخ الفلسطيني، ترجمة، سحر الهنداوي، ص 36.
54ـ م. ن. ص 41.
55ـ م. ن. ص 74ـ76.
56ـ م. ن. ص 207.
57ـ م. ن. ص 203.
58ـ م. ن. ص 344ـ345، ويذكر المؤلف من المساعدات كذلك: تفكك الاتحاد السوفياتي والجدل الدائر حول وحدة اوروبا ومستقبلها.
59ـ مر معنا ذكر هذه المصادر وهي :الوثائق اليهودية، والوثائق الالوهية، والتثنية، والقانون الكهنوتي.
60ـ طومسون، التاريخ القديم للشعب "الاسرائيلي"، تعريب لصالح علي سوداح، ص 9ـ10.
61ـ م. ن. ص 12ـ13.
62ـ م. ن. ص 13ـ15.
63ـ م. ن. ص 15ـ16.
64ـ م. ن. ص 16ـ18.
65ـ م. ن. ص 19ـ20.
66ـ م. ن. ص 21ـ22.
67ـ م. ن. ص 23ـ25.
68ـ م. ن. ص 292.
69ـ جريدة السفير بتاريخ 1 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1999، ص 15.
70ـ م. ن. ص ن.
---------------------د. ياسين سويد
تزوير التوارة
أدوات القراءة
- أصغر صغير متوسط كبير أكبر
- Default Helvetica Segoe Georgia Times
- قراءة خاصة